تكتسب زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى الفاتيكان اليوم ولقاؤه البابا بنديكتوس السادس عشر وأركان عاصمة الكثلكة بعداً خاصاً، وأهميةً، بالنظر الى ما يمثله لبنان بالنسبة الى الكرسي الرسولي، والدعم المتواصل من الفاتيكان للبنان منذ الاستقلال في العام 1943 حتى الآن، ودعمه العيش المشترك بين الطوائف كافة. وبالتالي هناك دعم كبير للبنان من أكبر مرجعية معنوية في العالم، وللقيمة التي يمثلها لبنان لدى الفاتيكان.
والعلاقة التي تربط الحريري بالبابا، مثلثة الآفاق: انها العلاقة الرسمية بين دولتين، والعلاقة بين أرفع القيادات فيهما، ثم العلاقة التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ العام 1993 فور انتهاء الحرب اللبنانية والتوقيع على اتفاق الطائف، بحيث كان التواصل والتشاور مع البابا الراحل يوحنا بولس الثاني قائمين، والرئيس الشهيد التقاه نحو 7 مرات، وتولّدت علاقة مميزة وخاصة، وثقة وصداقة واحترام، كان لها حضور عائلي أيضاً، وأثر مميز طبع العلاقات اللبنانية الفاتيكانية. ولم يكن الرئيس الشهيد أحد أبرز المحاورين اللبنانيين للفاتيكان فحسب، بل ربما المحاور العربي الوحيد مع الكرسي الرسولي. وسيستأنف رئيس مجلس الوزراء العلاقة مع الفاتيكان بمختلف العناصر التي تؤدي الى استمراريتها وتعزيزها وترسيخها.
وأفادت أوساط رفيعة ساهمت في التحضيرات للزيارة، ان الحريري سيلتقي البابا اليوم، وكذلك الكاردينال ترسيسو برتوني الذي يعتبر بمثابة رئيس الوزراء في الفاتيكان، كما سيلتقي وزير الخارجية المونسنيور دومينيك مامبتي في إطار اجتماعات عمل سيتم خلالها مناقشة الوضع اللبناني وتطوراته، ومؤثرات الأوضاع الإقليمية والدولية.
ثمة متابعة للتشاور وتبادل وجهات النظر، انطلاقاً من ان الكرسي الرسولي يؤيد أي مساعٍ للتهدئة الداخلية اللبنانية، ويؤيد التحركات لتوفير أفضل المناخات للحوار الداخلي اللبناني. وهناك حرص منه على دعم إجراء كل ما يلزم لتأمين الاستقرار اللبناني. فالبابا متنبه للصراعات المتعددة والمتنوعة المحيطة بلبنان، ولتعقيدات المنطقة الضاغطة حول لبنان. وهناك مسعى مستمر من الكرسي الرسولي لإبعاد مؤثرات هذه الصراعات والتعقيدات عن لبنان بالوسائل الديبلوماسية.
ولدى الفاتيكان ديبلوماسية على أعلى المستويات مع كل الدول في العالم، لا سيما لدعم ما يعود الى قضايا العدالة وحقوق الانسان، بحيث يقف الكرسي الرسولي الى جانب ترسيخها والعمل وفقاً لمقتضياتها وأصولها. كما يلعب الفاتيكان دوراً مهماً لدفع السلام في الشرق الأوسط الى الأمام، انطلاقاً من ديبلوماسيته العالية، وحيث لديه مركز ديبلوماسي بالغ الأهمية مع أصحاب القرار والمرجعيات في كل مواقع العالم. والمجتمع الدولي مدرك لأهمية هذه المساعي. وتذكر الأوساط بأن الفاتيكان استقبل في سياق هذا الاهتمام الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وهو آخر من اعترف بإسرائيل.
ويتنبه الكرسي الرسولي أيضاً لكل ما يخص وضع الوجود المسيحي في الشرق.
ولهذه الغاية دعا الى عقد سينودوس خاص يحضره بطاركة الشرق في تشرين الأول المقبل.
وفي إطار هذا الدور المتعدد الأبعاد للفاتيكان، يزور الحريري البابا، ويناقش معه مختلف الشؤون العائدة للبنان، لا سيما أهمية الحوار الداخلي، وحوار الحضارات في ضوء واقع لبنان كنموذج للحوار بين الثقافات والأديان، وهو موضوع غالٍ لدى البابا.
كما يتبادل الرأي في المواضيع العربية المطروحة، مع البابا ومع معاونيه وأركان دولته. وثمة ترحيب عالي المستوى بزيارة الحريري واستعدادات بالغة للقاءات التي سيعقدها. وبالنسبة الى البابا، فإن الدعم المعنوي الدائم للبنان من الثوابت الراسخة لديه، لن تتغير ولن تتبدل. وعلى الرغم من ان القوة المعنوية الأولى في العالم لا تمتلك قوة السلاح وموازين القوة العسكرية، إلا ان في رمزية موقعها ودلالاته ومؤثراتها المعنوية، ما يكفي لأن تأخذ الدول في الاعتبار موقف الفاتيكان، ومحاولة إرضائه، كونها تعرف أهمية المرجعية المعنوية التي يمتلكها. ويشار الى انه عندما تم التحضير لاتفاق الطائف في العام 1989، أطلعت اللجنة الثلاثية الوزارية المولجة به، والتي ضمت آنذاك وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والمغرب والجزائر، البابا في الفاتيكان على عناصر الاتفاق المقترحة. والاهتمام بلبنان من جانب الكرسي الرسولي مستمر في كل الظروف والأحوال.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.