على الرغم من حضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت في 23 تشرين الأول الجاري، للمشاركة في افتتاح المعرض الفرنكوفوني للكتاب، إلا أن ذلك سيكون مناسبة للقاء المسؤولين اللبنانيين لاستطلاع تطورات الموقف من كثب ومتابعة الوضع اللبناني مباشرة، انطلاقاً من أن فرنسا ستبقي رعايتها لشؤون لبنان من دون أن تتدخل في مسار استحقاقاته.
وتفيد أوساط ديبلوماسية غربية أن من الممكن أن تكون الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري قد تشكلت لدى إتمام الزيارة، ما يفرض على جدول أعمالها موضوع معرفة توجهاتها في السياستين الداخلية والخارجية من خلال ما سيتضمنه بيانها الوزاري. أما إذا لم تكن قد تشكلت بعد، فستكون الزيارة فرصة فرنسية جديدة للبحث في المعلومات وعرض إمكانات المساعدة لتسهيل الموضوع في أسرع وقت، من دون أن تجري الديبلوماسية الفرنسية تعديلاً في نظرتها إلى طريقة تعاملها مع الوضع اللبناني في هذه المرحلة.
وتتجلى هذه الطريقة في التأكيد على أن تشكيل الحكومة قضية داخلية لن يتم التعاطي في تفاصيلها، وأن فرنسا تقف إلى جانب وجود حكومة وحدة وطنية تُصنع في لبنان، وليس في دمشق أو طهران أو باريس أو واشنطن أو الرياض، أو أي مكان آخر. وفي اعتقادها أنه حان الوقت الذي يجب على اللبنانيين ألا يتطلعوا فيه إلى الخارج لتصريف شؤونهم الداخلية واستحقاقاتهم الدستورية، الأمر الذي يمكنهم من تحقيق الديموقراطية وتطبيقها، بحيث يُفترض بهم أن يتحملوا مسؤولية مصيرهم السياسي. وفرنسا ضد أن يربط لبنان مصيره، في أي مرحلة من المراحل التي يمر بها، بالخارج مهما كانت الظروف.
ويتصل هذا الموقف بأن فرنسا والمجتمع الدولي عملا جاهدين طوال السنوات الأخيرة لوضع لبنان على سكة الأمان، وهذا ما تحقق إلى حد كبير. وهناك اطمئنان فرنسي إلى الوضع اللبناني، لناحيتين: الأولى أن الأمن مستتب، والثانية أن العملية الديموقراطية تسير من دون تعقيدات، الأمر الذي لا يستلزم إيجاد مبادرة فرنسية خاصة للوضع تخرج الحكومة إلى النور بسرعة، أو تكون بديلاً من الدينامية السياسية للفرقاء اللبنانيين أنفسهم. والاطمئنان إلى المسار اللبناني، يجعل القيادة الفرنسية تتطلع مجدداً إلى مصالحها في العالم والمنطقة، وليس أن تحكم لبنان مرة أخرى. وبالتالي، لدى فرنسا أولويات في إطار سياستها الشاملة حيال المنطقة واستراتيجيتها، ولعل أبرزها:
استكمال فتح الصفحة الجديدة مع دمشق. وثمة تحسن تدريجي في العلاقات الثنائية، والتي انعكست إيجاباً على العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، وهناك مجال جدّي لتعزيز العلاقات الثنائية الفرنسية السورية عبر التحضيرات الجدية لفكرة دعوة فرنسا الرئيس السوري بشار الأسد لزيارتها قبل انتهاء السنة الجارية.
الموضوع العراقي وانعكاساته على مسار الأوضاع في المنطقة وعلى العلاقات الدولية الاقليمية، وهو يمثل أولوية في الاجتماعات الرفيعة المستوى التي تُعقد على كل المستويات العربية والدولية الاقليمية.
ملف العملية السلمية في الشرق الأوسط واستمرار التعثر الذي يحيط بها، واهتمام فرنسا بالاضطلاع بدور جدي لإخراجها من الجمود.
مؤتمر السلام الذي تُعد له فرنسا في إطار مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط والذي يشمل كل الدول التي تقع على ضفتي المتوسط.
دور تركيا في المنطقة، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ولا تتحفظ الأوساط عن وجود مقاربة فرنسية مختلفة عن تلك الأميركية في ما خص الوضع اللبناني، وتعزو ذلك إلى تأخر الإدارة الأميركية في وضع استراتيجية شاملة لها في المنطقة، لكي يتمكن الحلفاء من اتخاذ المواقف الأكثر انسجاماً حيال القضايا المطروحة للمعالجة. لكن هذا لا يعني وجود تباعد، أو عدم تنسيق مستقبلي. وفرنسا التي تؤيد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان لأنها تكمل عملية الاستقرار فيه، لا يبدو لها واضحاً، ما يقصده الموقف الأميركي الذي يدعو إلى احترام نتائج الانتخابات النيابية في التشكيل، مع الترحيب بنتائج القمة السعودية السورية في هذا الشأن، وتنتظر فرنسا الاستراتيجية الأميركية في هذا الوقت.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.