سادت الوسط السياسي اللبناني أجواء تفاؤلية في ظل معطيات عن أن الظروف مؤاتية لتشكيل الحكومة في ظل نتائج القمة السعودية السورية، ذلك أن الاتصال الذي تلقاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من الرئيس السوري بشار الأسد له مدلولاته، وسبقه اتصال من الرئيس سليمان بنظيره السوري قبل القمة.
إلا أن الضوء الأخضر الفعلي لتشكيل الحكومة، سينتظر أياماً معدودة، وقد باتت الأطراف الداخلية مستوعبة تماماً لضرورة الإفادة من الايجابيات في مسيرة تنقية العلاقات العربية. في حين يجب ترقب ردة الفعل من جهات عربية أخرى مثل مصر، التي تطرقت القمة الى سبل مصالحتها مع سوريا، وفق مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى.
وينتظر معرفة مدى جهوزيتها لدعم التوجهات المشتركة الجديدة السعودية السورية، حول قضايا المنطقة ومن بينها لبنان، وما إذا كانت بدورها تنتظر إشارات ما.
وكذلك، يجب انتظار ردة الفعل الإيرانية، والأبرز ردة الفعل الأميركية، والتي لن تنقل فقط في التصريحات الرسمية، إنما حقيقة الموقف الذي يتم إبلاغه عبر القنوات الديبلوماسية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية معنية بالسياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، أن واشنطن ليست راضية تماماً عما يحصل من حركة في المنطقة، خصوصاً إذا ما كانت مفاعيلها ستساوي على المستوى اللبناني، بين المنتصر في الانتخابات النيابية والخاسر فيها، إلا أنه من المؤكد، أنها توافق على أي مسار أو تحرك من شأنه لملمة الموقف الحكومي اللبناني في أسرع وقت وتشكيل الحكومة من دون إطالة الفترة الزمنية، وبالتالي، إذا ما وجدت واشنطن، التي لا تدخل في تفاصيل تأليف الحكومة، أن أي تقارب عربي وأي زيارات رسمية، تؤدي الى التهدئة والاستقرار في لبنان ومعالجة التعثر الحكومي، فهي لن تقف في وجهه ولن تعمل لمعارضته وتفشيله.
وفي هذا الإطار، لم يبحث المسؤولون الأميركيون مع نائب وزير الخارجية السوري السفير فيصل المقداد، خلال زيارته الأسبوع الماضي الى واشنطن، الموضوع اللبناني، إذ أن الإدارة الأميركية لا تريد دخول دمشق على خط الموضوع اللبناني، ولا تريد إعطاءها الشرعية الدولية للتعاطي معه.
حتى ان التنسيق الأميركي الفرنسي حول الوضع اللبناني لم يعد كسابق عهده. واستناداً الى المصادر، فإن مستوى التنسيق قد تراجع منذ مؤتمر سان كلو في فرنسا الذي جمع القيادات اللبنانية، في مرحلة التهيئة للانتخابات الرئاسية اللبنانية. واستمر هذا المناخ لدى التهيئة لـمؤتمر الدوحة الذي أنتج حلاً وسطياً أخذ في الاعتبار الوقائع الأمنية على الأرض التي أفرزتها أحداث 7 أيار الشهيرة، وما بعدها.
وعلى الرغم من المحاولات الأميركية الحوارية مع دمشق لجرها عبر الطرق الديبلوماسية الى تغيير أدائها وسلوكها في ملفات المنطقة كافة، إلا أن واشنطن لا ترى أن شيئاً قد تبدل لناحية النتائج حتى الآن. وقد استقبلت العاصمة الأميركية السفير المقداد، لاستكمال الحوار بين البلدين والذي كان بدأ بجو جديد، ونَفَس جديد. إلا أن الإدارة وضعته في الصورة الحقيقية لموضوع العقوبات الأميركية على دمشق، وأبلغته صعوبات رفعها من الناحيتين القانونية والتقنية، إذ أن العقوبات التي فرضت بقانون لا يمكن إزالتها إلا بقانون آخر. وأي قانون في هذا المجال، لا يمكن أن يصدر إلا بعد قناعة سياسية من الكونغرس بأن الأداء السوري قد تغير، وهو الأمر الذي لا يزال غير متاح على الإطلاق، لا سيما وأن الكونغرس متشدد في حين أن الإدارة تعطي أولوية للحوار.
والعمل على الكونغرس لتغيير قناعته يتطلب جدية سورية في إظهار التعاون في المنطقة وملفاتها، وعلى صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى مسارها الثنائي مع إسرائيل لدى حصول خرق في العملية.
وحتى الآن، فإن جو الكونغرس غير مؤاتٍ، والتعاون السوري في العراق متوقف، والتفاوض مع إسرائيل متوقف، وهذا ما أدركه الموفد السوري، فضلاً عن أن خلفيات الوضع اللبناني والعراقيل التي يواجهها لا تشجع أبداً. ولن تقوم واشنطن بتسليف دمشق أي خطوة، قبل أن تتعاون بجدية وتسلف هي أولاً ويبدو أن الكونغرس أكثر تشدداً في هذه النقطة.
لكن المصادر تؤكد، أن الإدارة الأميركية ستُبقي باب الحوار مفتوحاً مع السوريين، الأمر الذي قد يتقاطع مع الدورين الفرنسي والسعودي في مكان ما. وستبقى واشنطن تعمل لاستقطاب دمشق نحو الحوار والتعاون في كل المطالب ومنها في لبنان. وتدرك الإدارة، أنها في هذا المسار لا تزال في بداية الطريق، لكنها أيضاً لا تزال قادرة على الحوار والإقناع، وحتى الآن لم يتحقق شيء فعلي، ولم يتغير شيء على مستوى النتائج، كما أن المقداد لم يَعِد بشيء.
إنما هناك جو جديد من العمل للتعاون الدولي الإقليمي، يواكبه نوع من الترقب، وإعادة التموضع في السياسات ومساعٍ متبادلة للتهدئة والحوار والحديث، من دون الإعلان عن خطط محددة. وسيتم خلال هذا الجو تقطيع المرحلة حتى بداية السنة الجديدة، لمعرفة الى أين سيؤدي مساء جنيف للحوار الدولي مع إيران، ومسار العلاقات الأميركية السورية ما بعد زيارة المقداد لواشنطن. وأجواء العمل من أجل التعاون، لا يستبعد أن تحمل معها رغبة أميركية وإيرانية لمنع استمرار العرقلة في لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.