إذا كانت الاستنتاجات حول اللقاءات السعودية السورية على مستوى القادة في جدة، على هامش افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أجمعت على وجود أجواء ايجابية ستنعكس على الوضع اللبناني، خصوصاً تشكيل الحكومة، إلا أن مدى هذه الايجابية وسرعة تأثيرها يظلان مرتبطين بعوامل عديدة أخرى، في مقدمها كل من الموقفين الأميركي والإيراني.
وتفيد المعطيات الديبلوماسية العربية أن استئناف الحركة السعودية السورية، في المنطقة تؤشر في حد ذاتها الى تكريس بداية تحسين أجواء على مستوى العلاقات الدولية الاقليمية، بعد الجمود الذي سادها منذ قرابة الشهرين، وحيث أن الرياض استعادت إبراز دورها عربياً، في وقت وجد الرئيس السوري بشار الأسد أن مشاركته في الافتتاح أفضل من عدم المشاركة. وتتزامن بداية تحسين العلاقات هذه مع الاستعدادات الدولية الإيرانية للتفاوض في الأول من تشرين الأول في جنيف.
وتوظيف الايجابية خاضع لاحتمالين، وفقاً لهذه المعطيات. الاحتمال الأول، هو أن يتحقق تقدم جزئي في العلاقات السعودية ـ السورية، بحيث يتم ترك تسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية للفرقاء اللبنانيين أنفسهم خلال مدة لا تتعدى الأسبوعين أو الثلاثة فتكون للبنان حكومة منتصف تشرين الأول. ومن الطبيعي خلال هذه الفترة أن يحاول الفرقاء في الداخل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الى أن تحصل ضغوط داخلية وخارجية في اتجاه التشكيل.
ولأن التحسن السعودي السوري سيكون جزئياً، إذ ستبقى مواضيع عديدة مطروحة للحوار بينهما عالقة، فإن ترطيب الأجواء في هذه المرحلة قد يؤدي الى تشكيل الحكومة، إذا تراجعت العقد أمامها، إنما هناك حذر وتخوف من أن يؤدي استمرار التصلب السوري في مواضيع أخرى، الى تمرير التشكيل، من دون أن يعني ذلك إطلاق يد رئيسها والحكومة ككل، فيتم معالجة القضايا التي ينتظر اللبنانيون معالجتها. إذ تكون هناك حكومة، لكن يبقى الوضع المتوتر قائماً، ما يؤثر سلباً على انتاجيتها، ويزيد منحى الاصطفاف السياسي.
فدمشق لم تجر تعديلات على ما تريد أن تحققه نتيجة تعاونها في ملفات لبنان والمنطقة، وهي بالتالي لا تأخذ فاتورتها من أي دولة عربية محورية، إنما من الولايات المتحدة. لذلك سيكون مستوى تعاونها الجدي في الوضع اللبناني ولمرحلة ما بعد التشكيل، إذا ما تم التشكيل قريباً، مرتبطاً لديها بنظرتها الى ما يمكن أن تحققه من دور في المنطقة مروراً بمدى ارتياحها الى مسار المحكمة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتطمينات حول ذلك. إلا أن أي جهة عربية ليست قادرة أو لا تريد تقديم خطوات لها، خصوصاً وأن أداءها السابق كان ايجابياً في الشكل وليس في المضمون.
أما الاحتمال الثاني، فيقول بأن التحسن الجزئي في العلاقات السعودية السورية، يحتاج الى تحسن مماثل على مستوى العلاقات الأميركية الإيرانية، لكي لا يعود البحث بين الرياض ودمشق الى طريق مسدود. وتبعاً لذلك، فإن تشكيل الحكومة اللبنانية في مرحلة انتظار إشارات أميركية وأخرى إيرانية لمعرفة التأثيرات. وفيما تميل هذه المعطيات الى الاعتقاد أن الولايات المتحدة، لن تقف في طريق تسهيل مهمة الغالبية النيابية، تشير الى وجوب أن يكون الدور الإيراني بناء، عشية بدء تفاوضه الدولي، إلا إذا استجدت ظروف أثرت سلباً على هذا الدور، ما يرجئ تشكيل حكومة لبنان الى موعد غير معروف، إنما إذا ما واكب الجو السعودي ـ السوري الايجابي، تسهيل أميركي ـ إيراني، فإن الحكومة ستشكل منتصف الشهر المقبل.
وتكمن أهمية الدور السعودي، في أنه يمثل استعادة مركز القرار العربي بالتزامن مع رفض التطبيع مع إسرائيل، والسعي الى أن يوفر استئناف الحوار مع دمشق، حلحلة لبعض العقد في المنطقة، والتقارب مع دمشق في مرحلة الحوار الأولي مع حليفتها طهران، ما قد يؤثر ايجاباً على الحوار الأميركي السوري حيال قضايا المنطقة، وحيث تبقى الضمانات التي طلبها الموفد الرئاسي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جورج ميتشل من سوريا من دون جواب، في حين أن دمشق تنتظر المكاسب الحيوية لتعاونها.
ولن تتخطى باريس في تحركها في الموضوع الحكومي اللبناني، بدءاً من القمة اللبنانية الفرنسية في نيويورك، مروراً بزيارة رئيس وزرائها فرانسوا فيون لبيروت غداً، الهامش المرسوم لها في واشنطن.
وأكثر ما يمكن أن تقوم به في هذه المرحلة محاولات لترطيب الأجواء اللبنانية الداخلية، والأجواء السورية حول عدم عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان، ولن تتحرك لفرض تسوية أو حل محدد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.