لم تبتعد مهمة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في بيروت، عن الإطار العام الذي تدفع في اتجاهه الولايات المتحدة الأميركية، من حيث الانخراط في عملية السلام في الشرق الأوسط، وتشجيع دول المنطقة على السير قدماً في هذا المسار، في حين ان مهمة أوغلو تؤكد أيضاً رغبة تركيا في تأدية دور لافت انطلاقاً من انها دولة محورية في المنطقة، واهتمامها بقضاياها يطبع النتائج بطابع خاص.
لذلك، سعى أوغلو الى جس النبض اللبناني بالنسبة الى إمكان استئناف التفاوض على المسار اللبناني - الإسرائيلي، في إطار عملية سلام شاملة، مشدداً على انه لا بد من الشمولية على الرغم من وجود تحرك من أجل المسار السوري - الإسرائيلي. إلا أن هذا المسعى وإن جاء عشية تشكيل الحكومة الجديدة، وضع الرؤساء الثلاثة في أجواء ان كل الاحتمالات ممكنة لاستئناف السلام وان المحاولات تتطلب من الدول المعنية التفكير بما يمكن ان تتخذه من مواقف في مرحلة غير بعيدة. وفي كل الأحوال، تبلغ أوغلو من المسؤولين اللبنانيين، أن لبنان ليس لديه ما يتفاوض حوله مع إسرائيل، وهناك قرارات دولية واضحة يطلب تنفيذها تنفيذا كاملا، وهذا يعني ان حل المواضيع العالقة مع إسرائيل يكمن في تطبيق هذه القرارات التي رسمت الحل.
ولدى الاستفسار اللبناني من أوغلو عن المسار السوري الإسرائيلي في ضوء الوساطة التركية، أوضح ان دمشق تريد معاودة التفاوض مع إسرائيل من النقطة التي توقفت عندها قبل أشهر، في حين ان إسرائيل تريد البدء من جديد، لأن الإدارة الأميركية السابقة التي سهّلت قيام هذا التفاوض لم تعد موجودة، ويجب البدء من جديد مع الإدارة الحالية.
غير أن أوغلو لم يعرض أو يلمح الى رغبة بلاده في القيام بوساطة لتفاوض غير مباشر وسري بين لبنان وإسرائيل على غرار الوساطة التركية على المسار السوري الإسرائيلي، انما قصد معرفة الاستعدادات والشروط اللبنانية، ومدى القبول بتقريب وجهات النظر، واستطلاع ردة الفعل على الدور التركي في هذا السياق.
وتفيد أوساط ديبلوماسية أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد اعطاء دور لتركيا، وهو كان تحدث لدى زيارته تركيا عن أقطاب جدد في المنطقة كإسرائيل وتركيا وإيران.
وهناك رغبة أميركية في تحريك المسارين السوري واللبناني مع اسرائيل، وثمة دور تركي مقبول من واشنطن على هذا الصعيد. وتزداد حظوظ تحريك المسارين، مع استمرار الخلافات الفلسطينية الداخلية، وصعوبات توحيد الموقف. فتقرر تحريك المسارين الآخرين، بحيث يتم العمل لتحريك المسار السوري - الاسرائيلي بصورة معمقة، وتحريك المسار اللبناني - الاسرائيلي مبدئيا، لعدم وجود مشكلات عالقة، وحيث ان مسألتي مزارع شبعا والغجر هما في طور الحل عملياً.
ويبدو للأوساط، ان دمشق تعيد التموضع من جديد في انتظار مساعي السلام. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والموفد الرئاسي الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل نصحا الرئيس أوباما بضرورة أن تتزامن زيارات ميتشل لفلسطين واسرائيل بزيارات لسوريا لأن الاستثناء لا يفيد الحل الشامل. وتبعاً لذلك أصبحت زيارات ميتشل للمنطقة تشمل دمشق.
وتتركز المحاولات على سبل المضي في المسار السوري - الاسرائيلي، وإعداد الأفكار حول ذلك، وهذا ما تدركه تركيا.
ويتكامل الدور التركي في السلام مع الدور الاقتصادي والثقافي الذي ترغب أنقرة في تطويره مع دول المنطقة. ويعبّر أوغلو عن هذا المنحى في اللقاءات بحيث ان الحجم التركي يكمن ايضاً في الاندماج مع المنطقة اقتصادياً وثقافياً.
ولفت أوغلو الى أنه زار لبنان مرات عديدة بعيداً من الأضواء في إطار المساعي لتقريب وجهات النظر بين لبنان وسوريا، والاهتمام بتطوير العلاقات في ما بينهما، ما يشير الى الدور المتعدد الجوانب لتركيا حيال الموقف في لبنان وعلاقاته الاقليمية، ولناحية الحدود الجنوبية، حيث تدعم الاستقرار من خلال مشاركتها في اليونيفيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.