تقاطعت المعطيات الداخلية التي حرصت على تحقيق تقدم جوهري في اتجاه تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في أقرب وقت، مع معطيات اقليمية ـ دولية، ساهمت في اندفاع الدينامية اللبنانية لهذه الغاية، وفي ايجاد المخارج الملائمة لتظهير صورة الحكومة. واذا لم تحصل خلافات كبيرة على توزيع الحقائب والأسماء فإن مطلع الأسبوع المقبل سيحمل تشكيل الحكومة والعمل لوضع بيانها الوزاري الذي سيكون مشابهاً للبيان الوزاري للحكومة الحالية في خطوطه العامة.
وتفيد أوساط ديبلوماسية بارزة ان العملية السياسية لتأليف الحكومة، تعني الاتفاق على منهجية الحكم، وادارة شؤون البلاد من دون عراقيل. وسيكرس البيان الوزاري هذه المنهجية، على أن العوامل الخارجية التي تحكم توجهات البيان لم تتغير في المضمون وان طرأت عليها تعديلات شكلية. انما في ما خص طريقة أداء لبنان في عملية السلام في المنطقة، فسيتم اتخاذ الموقف الرسمي المناسب في حينه، والمسألة لا تزال بعيدة المنال، وأي عوامل أخرى بالنسبة الى مستقبل الملف النووي الايراني، والتفاوض السوري ـ الاسرائيلي وأي توجهات اسرائيلية محددة، ستدرس في الوقت المناسب.
وأدت المشاورات الداخلية، والاتصالات الدولية ـ الاقليمية، الى عدم الانزلاق الى لعبة اضاعة الوقت في التشكيل، وسط الخطر الداهم في الجنوب من جراء التهديدات الاسرائيلية المتجددة. وضرورة وجود حكومة غير حكومة تصريف الأعمال لمواجهة أي تحديات. ثم وسط استحقاقات اقتصادية ومعيشية ستطل في أيلول المقبل مع بدء السنة الأكاديمية. وكذلك، هناك أهمية لعدم اطالة الوضع الراهن، لكي لا يتمكن أي متضرر من سرعة التشكيل من أن يثبت قوته وتاثيره السياسي الداخلي، عبر ارسال رسائل مفادها ان خسارة الانتخابات لا تمنع القدرة على تأخير التوصل الى صيغة للحكومة حتى ولو كانت توافقية. اذ انه سادت بعض الجهات الدولية قناعة بأن المعارضة في لبنان لم تكن منزعجة من الوقت، وانها كانت مستعدة لانتظار أية مستجدات وخصوصاً في مجال التطورات الايرانية للتأثير من خلال هذه الظروف على تشكيل الحكومة.
والمعطيات الخارجية الموازية، لحظت، الوعد السوري الذي تلقاه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، بعدم خربطة تشكيل الحكومة. وهو ما تلقاه أيضاً الموفدون الأميركيون الذين زاروا دمشق الأحد الماضي. وبالتالي، الوعد بعدم الخربطة ليس أكثر. ولفتت الأوساط، الى أن السفير السوري في لبنان لم يقم بأي تحرك رسمي منذ تقديمه أوراق اعتماده حتى على مستوى الزيارات البروتوكولية. وهذا المنحى بقصد التأشير الى عدم التدخل. كما يؤشر هذا الأداء، الى أن المكاسب المتوخاة هي على مستوى الانفتاح الدولي السياسي والاقتصادي، وان دمشق ليست في حاجة الى التدخل في لبنان، الذي ينعكس سلباً عليها، واستبدلت ذلك، بمحاولة قطف الثمن من الأميركيين والفرنسيين، ورمي الكرة في الملعب اللبناني، مع الأهمية التي توليها لعدم حصول تشويش لبناني عليها، لا سيما بالنسبة الى السلام في المنطقة. ويتزامن ذلك، مع رفع الحظر الأميركي جزئياً عن دمشق في ما خص مسائل تجارية، ما ساعد في تهيئة المناخ امام الحكومة. مع الاشارة، الى ان هناك تفاهماً بين طهران ودمشق حول استفادة سوريا اقتصادياً من الانفتاح الدولي عليها، في وقت تستفيد ايران ذاتياً من العراق.
كما ان هناك أجواء ايجابية سورية ـ مصرية بدأت بالبروز، اثر نصيحة كوشنير لدمشق بالتقارب مع القاهرة. وعلى مستوى العلاقات السعودية ـ السورية، فإن عدم عرقلة تشكيل الحكومة من دون الثلث المعطل، سيساعد في دفع هذه العلاقات قدماً. ويتوقع ان تضيف فرنسا الى قائمة الوعود التي تعتبر ان سوريا وفت بها، عدم التدخل في تأليف الحكومة اللبنانية، بعدما سجلت لها تسهيلها انتخاب رئيس الجمهورية، وفتح صفحة جديدة مع لبنان، واقامة علاقات ديبلوماسية، وعدم التدخل في الانتخابات النيابية.
وثمة عنصر آخر في التقاء المصالح الدولية ـ السورية، مروراً بلبنان، هو القلق المشترك من تصاعد أنشطة القاعدة في المنطقة، في ظل بروز معلومات حول ان مجموعات في غزة، تبتعد عن حماس والجهاد الاسلامي، وتلتحق بـالقاعدة. هذا يشكل مصدر خوف، وعنصر تعاون في الوقت نفسه. ما يزيد من تقاطع المصالح التي قد تكون في لحظة ما وتوقيت ما مفيدة للوضع اللبناني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.