لاحظت أوساط ديبلوماسية بارزة، ان عودة التصعيد السياسي وفي الشارع الى مواقف المعارضة، عشية الاستشارات التي بدأها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، لم تأتِ فقط من قبيل رفع السقف والشروط لكسب أكبر قدر من المراكز فيها، بل انها تزامنت أيضاً، مع الأجواء التصعيدية التي برزت في المنطقة أخيراً، إنْ بين حماس وفتح في فلسطين، أو بالنسبة الى عودة التفجيرات الارهابية الى العراق.
ذلك ان عودة التوتير، تنطوي على بُعد إيراني جاء توقيته إثر الاتهامات التي أعلنتها طهران للغرب والولايات المتحدة تحديداً، بالتدخل في مسار الانتخابات الرئاسية فيها، بحيث بدا واضحاً التساؤل عما اذا كانت الصفحة الجديدة التي تفتح بين كل من واشنطن ودمشق من جهة وأوروبا ودمشق، والرياض ودمشق من جهة أخرى، ستكون ملزمة لإيران، في هذه المرحلة، هذا اذا كانت المعالجة التي تجري مع دمشق بدأت فعلاً تحقق تقدماً جوهرياً في ما تسعى الى تنفيذه من وعود بشكل حاسم. والتوقيت الايراني التصعيدي هدف الى ثلاثة أمور: تحويل الأنظار الأميركية عن المستجدات الايرانية، وتحفيز اهتمام الولايات المتحدة مجدداً بمواقع أخرى في المنطقة، من بينها لبنان والعراق وفلسطين، ثم تقوية قدرات طهران التفاوضية حيال قضايا المنطقة، وكذلك تعزيز الأوضاع الداخلية ومعنويات تيار المتشددين في الداخل، ما يشير الى وجود مزيد من التشدد الايراني على المدى القصير، يجسده حلفاء طهران في مواقع في المنطقة. انما على المدى البعيد، يجب الانتظار لمعرفة الى أي مدى ستخرج ايران من هذه التجربة أقوى أو أضعف. وهناك احتمالان، الأول: يقول بأن ايران ستخرج أقوى مثلما خرجت الولايات المتحدة حالياً بعد انتخاباتها الرئاسية المفصلية أقوى وموحدة أكثر.
والثاني، يقول بأن ايران بعد التجربة تعرضت للضعضعة في وحدة صفها، وان وضعها ما قبل 12 حزيران يختلف عما بعده، خصوصاً ان قوتها تكمن في الولاء المطلق لمرشد الثورة علي خامنئي الذي يعد الأكثر تعرضاً للأذى من جراء ما حصل، وليس الرئيس محمود أحمدي نجاد أو معارضة مير حسين موسوي، وبدل أن ينزل الى الشارع أعداد بالملايين، بات ينزل بالآلاف، ويدل ذلك، على أن عدم الرضا عن هذا النظام بلغ هذا الحجم، وأن هناك تصميماً ايرانياً شعبياً على ايصال الرسالة السياسية مهما كانت.
ولهذا السبب، عادت السياسة الايرانية الى التشدد خلال اليومين الماضيين، بالشكل الذي يغدو معه الدور السعودي ـ السوري حيال مواضيع المنطقة ومن بينها لبنان، محتاجاً الى الكثير من الجهد والعمل الاضافي لجعله أكثر تثميراً. مع الاشارة الى أن العوامل التي تتحكم بالسياسة الايرانية في لبنان ليست نفسها بالنسبة الى السياسة السورية تجاه لبنان. ففي حين تختلف عناصر المصالح بينهما، فإن لدى ايران طرفاً واحداً يلقى تفضيلاً ويجب أن يعمل ليصل الى الحكم، وهو حزب الله.
ولا ترى الأوساط انه يصعب على الرياض الوصول الى شبه اتفاق مع دمشق، لكن القلق يبدو، في ما اذا انسحب التشدد الايراني، على الموقف السوري، وسط ما يحكى عن أزمة قطرية ـ سورية، وعن تجديد الحديث السوري عن إبعاد دمشق عن المحكمة، وعن عدم المساس بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق. مع الاشارة الى ان اي طرف عربي لا يمتلك تقديم أي ضمانات كبيرة. انما هناك خطوات تحفيزية منها من جانب فرنسا التي حددت يومي 11 و12 تموز المقبل موعداً لعقد سفرائها المعتمدين في المنطقة اجتماعهم السنوي للعام 2009، في دمشق، حيث سيرأسه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي سيزور دمشق بعد بيروت التي يصلها في التاسع من الشهر المقبل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.