انتهت العملية الانتخابية في لبنان، وقبلت كل الأطراف بنتائجها، أكانوا في الداخل أو في الخارج، وثمة ميل لدى الدول المهتمة بتشكيل الحكومة، بأن يتم ذلك بقدر معقول من الوفاق، بالتزامن مع أجواء التلاقي بين القيادات والسعي لتعميق التهدئة والاستقرار.
وتدور اتصالات ومشاورات عربية ـ إقليمية وأخرى عربية ـ دولية حول تطور الموقف في لبنان، وما يمكن أن ينجم عن الدينامية السياسية الداخلية في الموضوع الحكومي والمرحلة المقبلة، وثمة ثوابت بدأت تنكشف من خلال الدور الخارجي، لعل أبرزها، تضافر الجهود لتسهيل تشكيل الحكومة، والتركيز على وضع الثقل السياسي الوازن لدى موقع رئاسة الجمهورية وانسحاب ذلك على الحكومة والتشديد على عمل المؤسسات، على ألا يُستبعد أن تبقى الخطوط العامة للبيان الوزاري للحكومة الحالية، متطابقة في مضامينها مع البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
ويشمل التوافق الأميركي ـ الفرنسي حول النظرة الى الموضوع الحكومي، النقاط الآتية:
ـ اعتبار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وموقع الرئاسة خطاً أحمر، بحيث يمثلان الركيزة الأساسية لعمل المؤسسات.
ـ عدم التدخل في تفاصيل التوزيعات الوزارية، على أن تكون الحكومة ذات طابع تشاركي، مع الأمل الواضح بالانتهاء من الثلث المعطل، لا سيما أن الانتخابات جسّدت الخيار السياسي المتمثل بالخوف الذي ميّز جمهور الرابع عشر من آذار من الخيار الإقليمي وتداعياته.
ـ إن العلاقة المؤسساتية اللبنانية ـ الأميركية، واللبنانية ـ الفرنسية، التي جرى تفعيلها خلال المرحلة الأخيرة، سيجري البناء عليها لتعزيز العلاقات السياسية والتشاورية في ما بين الأطراف الثلاثة. كما ستبني الإدارة الأميركية عليها في وضعها للتصور الجديد الذي تعد له في شأن التعامل مع الوضع اللبناني، بعدما ارتاحت الإدارة لنتائج الانتخابات وللآفاق التي تمثلها بالنسبة الى سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، ولا بد أن التصور الجديد سيؤثر حكماً في النقاش مع الدول الأخرى المهتمة بالشأن اللبناني، ولا سيما حول تشكيل الحكومة. وتبعاً لذلك، إن الضمانة الوحيدة في العلاقات الثنائية اللبنانية ـ الأميركية هي: مؤسستا الرئاسة والجيش، وحيث يجري التعاون وفق البرنامج العسكري الطويل المدى المعمول به. ثم ان فوز 14 آذار في الانتخابات، حافظ على المعادلة في المنطقة، ولن يكون هناك أي حوار على حساب لبنان، ولن يكون ضحية، خصوصاً في مجال الانفتاح الأميركي على سوريا.
وتؤكد أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع، أن استمرار أجواء التهدئة، وتعزيز المصالحات والحوارات الداخلية، يتأثر بمناخ التقارب العربي الحالي، وأحد أبرز أسبابه الخوف المشترك من التطرف الإسرائيلي. ويتوازى هذا المناخ، مع مسار التفاوض والحوار بين واشنطن ودمشق.
وتفاوض الإدارة الأميركية بشروطها، انطلاقاً من أنها تعتبر نفسها تمثل الدولة العظمى.
ولا تزال تتوقع من دمشق عدداً من الخطوات، بحيث يمكنها الأمر، من البدء بمقابلة الخطوات بخطوات أولها حول العقوبات أو بإرسال سفير لها الى دمشق. وتتوقع الأوساط أن إمكان اتخاذ خطوة أميركية تجاه دمشق يجب أن لا تتأخر أكثر، لا سيما في ظل تقييمها للدور السوري في الانتخابات النيابية بأنه لم يكن سلبياً، وكذلك في ظل التعاون الأمني بين البلدين حول الموضوع العراقي. وواشنطن تقدّر جيداً خطوات من هذا النوع، ومن نوع عدم عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بعدما لمست عدم عرقلة في إجراء الانتخابات لا أمنياً ولا سياسياً، فإذا وجدت واشنطن أن أموراً حسية وملموسة تحصل في كل من لبنان والعراق، ستترجم ذلك في علاقاتها مع دمشق.
وتفاوض الولايات المتحدة دمشق بشروطها، وإذا لم تقبل، فإن خطتها تكمن في الابتعاد عنها. إنما لا يزال المجال متاحاً حالياً للأخذ والرد. والاستراتيجية المعتمدة معها، هي في أن تبقى واشنطن وراءها بإلحاح لتحقيق المطالب الدولية منها. وأي تقدم فعلي على الأرض، سيجعل واشنطن تُبادر في العلاقات الثنائية ثم في اهتمامها باستئناف التفاوض السلمي في الشرق الأوسط على كل المسارات لا سيما على المسار السوري ـ الإسرائيلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.