مع بدء العد العكسي لانطلاقة المناورات الاسرائيلية، وادراك لبنان على المستوى الرسمي والقيادي وجود خطر اسرائيلي دائم عليه في مختلف المراحل والظروف، لا يمكن التغاضي عنه، الا ان تقارير ديبلوماسية متعددة، تقاطعت معطياتها حول عناصر مهمة متصلة بمدى انعكاس هذه المناورات على لبنان، وما جرى من محاولات لتوظيفها داخلياً، خصوصاً عشية اجراء الانتخابات النيابية.
وتكشف هذه المعطيات، ان لبنان أبلغ تطمينات دولية بوجوب عدم تحميل حصول هذه المناورات أكثر مما تحتمل بالنسبة الى التهديدات المباشرة التي تطال لبنان. وبالتالي، استبعدت خلالها حصول عدوان مشابه لعدوان تموز 2006، أو أي استهداف من نوع آخر يستدعي حالة شعور بالخوف، وقيادة اليونفيل لم تكن بعيدة عن هذه التطمينات، وهي تبقى على اتصال مباشر بإسرائيل حول مناوراتها، وذلك في سياق القلق اللبناني الذي أبلغت به، كما أبلغه أكثر من مسؤول دولي وأوروبي، عمل أخيراً على ارسال رسائل متصلة بضرورة ابقاء الوضع حيال لبنان هادئاً.
وتقع التطمينات على خلفية الأخذ في الاعتبار جوانب متنوعة لعل أبرزها:
ـ وجود ضوابط دولية، جرى التأكيد عليها خلال المشاورات المتعلقة بالمدى الأمني الذي ستبلغه المناورات. ولا تزال الضوابط تحكم الوضع الدولي ـ الاقليمي في المرحلة الراهنة، وبحيث يتم العمل من خلال الاتصالات البعيدة عن الأضواء على تمديد فترة الالتزام بالتوافق على الاستقرار والتهدئة لدى كل الأفرقاء وعدم اللجوء الى خربطة الستاتيكو القائم، ويستثمر ذلك الى حين بدء التفاوض السلمي في الشرق الأوسط والمتوقع في الخريف المقبل.
ـ ان اسرائيل لن تقوم بأي عمل في الوقت الحاضر يزعج حليفتها الأساسية الولايات المتحدة الأميركية، وأي حرب ستقوم بها لا بد ان تحظى برضى أميركي. وهذا الأمر غير متوافر حالياً في ظل التعديل في أسلوب الادارة الأميركية لتحقيق سياساتها، واتباع الحوار، والانفتاح على الخصوم. ثم ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك تماماً ان بامكانه التفاوض الى حدود كبيرة مع واشنطن، ولكن لا يمكنه معاداتها، مع الاشارة الى ان الادارة كانت وراء خروجه من الحكم في مرحلة سابقة. وعلى الرغم من اجواء المودة التي سادت لقاءاته أخيراً في واشنطن، الا ان لديه مع الادارة خلافات في وجهات النظر لا سيما بالنسبة الى قيام الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية جنباً الى جنب. وتبعاً لذلك، لن تقوم اسرائيل بمفاجأة أي طرف في المنطقة أو خارجها في مناوراتها، خصوصاً أيضاً ان وضعها محرج جداً على المستوى الأوروبي، وللمرة الأولى يسمع وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان كلاماً قاسياً من المسؤولين الأوروبيين خلال جولته الأوروبية، حول موقفه من السلام.
ـ ان اسرائيل هي دولة عدوة، ومن الوارد دائماً ان تستهدف لبنان، انما المعطيات تستبعد حدوث ضربة وشيكة في هذا السياق. فعلى الرغم من اجواء التحضير للحوار الدولي ـ الاقليمي، هناك اجواء توتير تتصاعد بين الطرفين. لكن الفرصة المعطاة للتأكد من الرغبة الايرانية في التعاون حتى نهاية هذه السنة، لن تخرقها أي تطورات امنية اسرائيلية في اتجاه حزب الله، لأن استهداف اسرائيل لإيران عسكرياً، اذا ما قررت تل أبيب ذلك، لن يحصل قبل نهاية هذه السنة. وقرارها هذا، مرتبط بوجود منحى لديها لقلب الأولويات اذا ما رأت وجوب الاستمرار في تصلبها وتطرفها وعدم رغبتها في الرضوخ للضغوط الأميركية. فيصبح عندها أمنها أولوية اذا ما استشعرت وجود خطر ايراني، بدلاً من أولوية السلاح.
ـ ان اسرائيل تدرك ان طبيعة مخاطر القيام بحرب على لبنان قد اختلفت، ولم تعد كالسابق اكثر سهولة. لكن القصد من المناورة، هو الرسالة التي تحملها في اتجاه أكثر من جهة اقليمية، ومفادها اظهار القوة وان الاستعدادات الدفاعية والردية والنفسية قائمة لا يمكن كسرها. وفي الأساس، أنجزت اسرائيل مرحلتين أو ثلاث من هذه المناورة التي تأتي في أعقاب انتقاد اسرائيل للمناورات السورية ـ التركية الأخيرة.
لكن وفي حال توقع حصول ضربة بحسب معطيات المعارضة في لبنان، فإن المصادر الديبلوماسية المطلعة تؤكد ان الاستفزازات الداخلية لا تفيد في حالة كهذه. بل ما يفيد، هو التوجه الى الخصوم السياسيين لإقناعهم بوجهة النظر التي ستعتمد. إلا ان ما سعى الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله اليه في خطابه الثاني هو لتحييد النظر عن خطابه الأول، الذي لم يجد أي قبول لدى شرائح كبيرة من اللبنانيين، واستفز حتى المحايدين وليس الخصوم السياسيين فحسب، وبالتالي لتحويل الاهتمام الى مسألة أخرى متصلة بالعدو المشترك، عبر تضخيم التهديد والدور الذي يجب ان يكون ملقى على عاتق المقاومة في هذه الحالة، وانعكاسات الدور على الناخب اللبناني.
الا ان التوتر الحاصل من جراء المناورة الاسرائيلية لا يحمل رسائل ايجابية، لأن أي انتكاسة للحوار الدولي ـ الاقليمي لاحقاً، ستزيد المخاطر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.