لعل أبرز ما سيؤثر في الوضع اللبناني والوضع في المنطقة في المرحلة القريبة، هو انطلاقة الحوار الأميركي ـ الإيراني المباشر، وحيث يتم العمل لايجاد المناخ المؤاتي، من غير اتضاح مساره والنتائج التي سيؤدي اليها، والمدة الزمنية التي سيستغرقها.
وعلى الرغم من الحاجة لدى الإدارة الأميركية لبلورة مطالبها الكاملة حيال هذا الحوار، وما إذا كانت فعلاً ستتخلى فيها عن شرط وقف تخصيب إيران لليورانيوم قبل بدء التفاوض، فإن مصادر ديبلوماسية بارزة، تؤكد ان الاتصالات التي يجريها أكثر من طرف بين واشنطن وإيران، تبحث في الإجراءات الخلاّقة التي يمكن ان يقبل بها الطرفان لتكون بمثابة الإخراج السياسي اللازم لبدء التفاوض أو الحوار. والمطروح، ان تقوم إيران بإعلان موقف سياسي كدليل حسن نية وايجابية، يجري البحث بتحديد مواصفاته، لكي يحظى بالموافقة الإيرانية، ويقبل به الأميركيون في الوقت نفسه، ويؤشر الى تجاوز المرحلة السابقة.
ولا تستبعد المصادر ان يتخلى الأميركيون فعلاً عن شرط وقف التخصيب للبدء بالحوار. لان التمسك بالشرط بات أقل أهمية اليوم منه في وقت سابق. من هنا أهمية العامل الزمني في ما تمكنت إيران من إنجازه، ولم تعد معه مسألة معرفتها بالتخصيب، وبدورة الوقود النووي أمراً مشكوكاً به، بل بات أمراً واقعاً، يقتضي التعامل معه، وهذا ما تركز الإدارة على أفضل الوسائل لتحقيقه، لان ما حصل قد حصل. على اعتبار ان التخصيب تخطى القدرة على إنجازه لاستخدامات سلمية، الى القدرة على إنجاز نسبة تؤهل للاستخدام العسكري. وبالتالي، ان شرط وقف التخصيب لا يؤدي الى تراجع أو تأخر المعرفة التقنية في هذا المضمار، لدى إيران. ومع ذلك لن تعمد الإدارة الى الاستغناء عن هذا المطلب تماماً، لكن دراسة الإخراج اللازم لبدء المفاوضات تشغلها.
ولطالما كانت لعبة الوقت لدى إيران أولوية، على أساس انها تتيح اللاعودة الى الوراء في تصنيع القنبلة النووية. وكلما جرى تأخير في الوقت، كلما كان ذلك لصالح إيران لاستكمال معرفتها بالصناعة أكثر. كما ان الدول لم تتخل عن العقوبات مع المنحى الحواري الذي يتم الإعداد له. وقد سجلت إيران محطات عدة في كسب الوقت حيث كانت لقاءات مسؤوليها مع الأوروبيين تتم قبل التقارير الدورية لوكالة الطاقة الذرية، وحيث لم تكن تسجل التقارير أي تقدم.
وتؤكد المصادر، ان هدف إيران كسب الوقت، بقصد امتلاك مزيد من عناصر الطاقة، سيكون على طاولة الحوار مع الولايات المتحدة، إضافة الى كل المواضيع ذات الصلة بالملف الإيراني وابعادها وامتداداتها. وما يهم إيران هو الضمانات الأمنية للنظام، إذ لم تكن لتحظى بمثل هذه الضمانات أبداً. ومصير هذه النقطة غامض، نظراً لارتباطها بعوامل عديدة تحكم القبول الأميركي بإعطاء هذه الضمانات أم لا. انما وعلى المدى غير القريب، قد تعتبر إيران في حال عدم القبول الأميركي بالضمانات، ان استمرارها في تطوير قدراتها النووية، يجعلها قادرة ذاتياً على حماية نظامها.
فواشنطن تريد ان تضع كل المسائل، السياسية منها والأمنية على طاولة الحوار. من هنا يأتي التلميح الإيراني الأخير، حول القدرة على لعب دور أمني في المنطقة.
ويبدو ان هدف تقوية القدرات من جانب إيران، هو للتوصل الى هذه المرحلة، انما واشنطن تريد من إيران دوراً ايجابياً حيال مطالبها، وليس دوراً أمنياً لها والفارق كبير بين الاثنين. كذلك، ان الخليج لا يقبل بدور أمني إيراني في المنطقة، ومعظم الدول العربية، كما ان إسرائيل رافضة لهكذا دور. فالخليج لا يريد أي هيمنة إيرانية على المنطقة. وإيران لم تعمد الى تجميع كل الأوراق التي في يدها وتلك التي تحاول كسبها، إلا لتأدية هذا الدور. وما يحصل من نزاع على خط مصر ـ حزب الله حالياً مرتبط أساساً، بأي دور تخطط إيران لأدائه في الشرق. وهذا الواقع، كان وراء عدم التوصل الى اتفاقات سياسية دولية ـ إقليمية، أو الى حل يرضي كل الأطراف، ومنع قيام تفاهمات إلا على ستاتيكو مضبوط، من دون تنازلات عن الأوراق. على ان أي دور إيراني من هذا القبيل، ينتظر ان يكون الدور السوري في سياقه مستمداً منه.
كما ان الخليج لا يريد اللجوء الدولي الى ضربة عسكرية على إيران، لانه سيدفع ثمنها ان في مسائل تمويلية، أو من حيث ردات الفعل ضد أراضيه التي سيتم استعمالها للقيام بالضربة.
ومن غير الواضح، حتى لو وضعت كل النقاط على طاولة الحوار، السبيل لحل هذه العقدة الصعبة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.