القرار الإستراتيجي الذي اتخذته الإدارة الأميركية الجديدة بالحوار مع أعداء الدولة العظمى، لا يعني، استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، التضحية بالأصدقاء والحلفاء.
وبالتالي، لا يفترض بالأصدقاء والحلفاء ان يساورهم القلق من بدء الحوار الأميركي ـ السوري، وكذلك الأميركي ـ الإيراني.
فزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير جيفري فيلتمان ومسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دانيال شابيرو، لبيروت قبل توجههما الاثنين الى دمشق، هي في الشكل والمضمون تحمل أكثر من رسالة ومؤشر، مفادهما ان الإدارة ليست في وارد تغيير موقفها حيال لبنان، ودعمها للثوابت التي تتمسك بها من حيث سيادته واستقلاله وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيه. وهذه الرسالة التنظيمية واقعية، ففي الشكل: يحظى المسؤولان الأميركيان بثقة كبيرة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهما في الأساس لعبا دوراً مهماً في إرساء التحول السياسي في لبنان منذ العام 2005 حتى الآن.
والثقة بهما وبالدور الملقى على عاتقهما في لبنان والمنطقة، يجعلهما قادرين على بلورة سياسة بلادهما بصورة تؤكد التمسك بالثوابت اللبنانية، خصوصاً وأنهما بفعل تجربتهما السابقة يدركان جيداً التفاصيل، وهما يشاركان في اجتماعات حول المنطقة في البيت الأبيض، وليس فقط في إطار وزارة الخارجية، وحيث يشغل فيلتمان المنصب الذي شغله سابقاً السفير ديفيد ولش.
أما من حيث المضمون، فالزيارة هي الاتصال الأول المباشر بين الإدارة الجديدة بسلطتها التنفيذية والحكم اللبناني. وقد سبق ذلك، اتصالات هاتفية بين الرئيسين اللبناني ميشال سليمان, والأميركي أوباما، واللقاء بين رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بمشاركة وزير الخارجية فوزي صلوخ. وهدفت الزيارة الى الاستماع من المسؤولين والفرقاء السياسيين الى نظرتهم بالنسبة الى الوضع اللبناني، والمرحلة الحالية من التهدئة والاستقرار النسبي، والاستعدادات للانتخابات النيابية التي تعوّل الإدارة عليها كثيراً لكي تساهم نتائجها في الحفاظ على منجزات الاستقلال والسيادة، وتعميق هذا التوجه.
وتعتبر الإدارة الأميركية ان وضع لبنان جيد في هذا الظرف، ما جعلها تفضل زيارة كلينتون، وكذلك الموفد الرئاسي للشرق الأوسط جورج ميتشل لبيروت في فترة لاحقة. فضلاً عن ان ما يحظى به لبنان من احتضان ورعاية أميركية، يمكن العمل مجدداً لترجمته على الأرض على المستوى المعنوي، والدعم الذي سيعاد التركيز عليه في كل محطة.
ثم هناك الاشارات المتصلة بمفهوم الإدارة لوجود لبنان كمحاور في أي حوار في المنطقة، ما يعيد التأكيد على سيادته واستقلاله، وعلى انه الجهة الوحيدة المخوّلة بت القضايا التي تهمه، وكذلك طرحها. وهذا لن يكون فقط على مستوى علاقات لبنان مع جيرانه من العرب والإقليميين، انما أيضاً على مستوى السلام في الشرق الأوسط، والنزاع العربي ـ الإسرائيلي عندما يحين أوان طاولة الحوار الخاصة به.
ويأتي توقيت زيارة المسؤولين الأميركيين البارزين قبل بدء الحوار الأميركي ـ السوري مباشرة، وهو الحوار الذي ينطلق قبل الحوار الأميركي ـ الإيراني، المنتظر نهاية آذار الجاري من بوابة أفغانستان. وبحسب المصادر، لدى واشنطن مصلحة في إجراء الحوار، يقابلها اهتمام سوري الى أبعد حد في البدء بهذا الحوار، وبأن تُمسك واشنطن ملفات المنطقة وان تتحدث مع المعنيين بها بشكل مباشر.
وسيستطلع فيلتمان وشابيرو في دمشق، مدى وجود استعداد لدى المسؤولين فيها، للاستماع الى الإدارة الأميركية التي تتمسك بمطالبها من سوريا إن حيال لبنان، أو المنطقة، أو الإرهاب. وسيطرحا سلسلة أسئلة على القيادة السورية في هذا الشأن وحول إمكانات التعاون، ونظرتها الى السلام في المنطقة.
وأفادت المصادر ان الاجتماع الذي عقده فيلتمان مع السفير السوري لدى واشنطن عماد مصطفى، كان بمثابة اللقاء التحضيري لزيارة فيلتمان لدمشق. وطرح فيلتمان معه كل المواضيع التي تزعج سوريا والتي لا تزعجها.
كما تحدث معه في شأن العلاقة اللبنانية ـ السورية، والإنتخابات النيابية، والمحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وكان السفير مصطفى مستمعاً أكثر منه متحدثاً، مع تأكيده على القرارات الدولية حول لبنان، انما لم يشأ الاجابة أو التعليق في شأن موضوع المحكمة.
لكنه كان مرتاحاً للغاية، وتم التفاهم على المتابعة والتحضير للاجتماعات التي سيعقدها فيلتمان في دمشق. وقد وضع تقرير بذلك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.