الموقف الإسرائيلي بدعوة لبنان الى الاتفاق حول عدم الاعتداء بين البلدين، يتزامن، استناداً الى أوساط ديبلوماسية لبنانية بارزة مع ظروف إقليمية عديدة، تجعل من هذا المطلب مستحيل التطبيق، أو القبول به من جانب لبنان، فضلاً عن الثوابت اللبنانية في النظرة الى الوضع الذي يحكم ضرورات التعامل مع الدولة العبرية.
أولاً: ان هناك تمنعاً إسرائيلياً عن التخلي عن مزارع شبعا وإعادتها الى السيادة اللبنانية. وهذا ما توصلت إليه مختلف المساعي والوساطات الدولية في هذا الشأن خلال الشهرين الماضيين. وتبعاً لذلك تفيد الأوساط بأن إسرائيل لا تريد رد المزارع لأنها تربطها بالجولان السوري والمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية القائمة، بحيث تقصد من خلال ذلك العمل لجر لبنان الى التفاوض معها حول مصير هذه المنطقة، وتطبيع العلاقات في مرحلة لاحقة. كما أنه من خلال إبقاء النزاع قائماً بين لبنان وإسرائيل حول هذه المنطقة، تستفيد إسرائيل من إذكاء التباعد في وجهات النظر اللبنانية الداخلية حول إحتفاظ حزب الله بسلاحه ما يزيد من تناحر الشعب اللبناني، ومن تعزيز مناخات الفتنة، عبر بقاء إسرائيل في المزارع.
ثانياً: إن رمي إسرائيل فكرة الاتفاق على عدم الاعتداء مع لبنان، بالتزامن مع التفاوض بينها وبين سوريا، وعدم القبول بالتخلي عن مزارع شبعا، من شأنه ربط مصير لبنان في استكمال تحرير ما تبقى من أرضه، بمصير التفاوض مع سوريا، من جهة، ويقلل، من جهة أخرى، الفرص أمامه لاسترداد المزارع من دون مفاوضات، واستناداً الى القرارات الدولية ذات الصلة لا سيما القرار 1701 والقرارين 425 و426. ويؤدي هذا الأمر بنظر إسرائيل الى إجبار لبنان على تقديم تنازلات في إطار عملية تفاوض تلي التفاوض السوري ـ الإسرائيلي، ذلك أن اتفاق عدم الاعتداء في ظل وجود أراض محتلة من إسرائيل، يعرقل التوصل الى الحل المنشود، ويزيد في تعقيدات الموضوع، ويضعف الموقف اللبناني، لأن إسرائيل تسعى بذلك الى فرض ترتيبات أمنية، لبنان في غنى عنها.
ثالثاً: ان للمطلب الإسرائيلي الأخير، وجهاً متصلاً بخلفية النزاع الإسرائيلي ـ الإيراني على مسألة الملف النووي الذي تطورة طهران، بحيث إن أي لجوء الى الحل العسكري بمشاركة إسرائيلية ـ دولية لهذه المسألة، سيحمّل لبنان مسؤولية في خرق الاتفاق على عدم الاعتداء، في ظل أي تحرك أمني أو عسكري لـحزب الله ضد إسرائيل لرد أي هجوم على إيران.
رابعاً: ان على إسرائيل الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها ولبنان لن يعتدي عليها، ولا هي يُفترض أن تعتدي عليه، لا بالخروق ولا بعدم تنفيذ القرارات الدولية. وفي سياق عدم الاعتداء، يجب أولاً، وقبل البحث في اتفاق عدم الاعتداء، أن تُعيد إسرائيل الأرض لأصحابها. إذ، في ظل استمرار الاحتلال لا يجوز النظر في إقامة مثل هذا الاتفاق، لأنه يعني قبولاً باحتلال الأرض، وأيضاً عدم القدرة على تحريرها لا بالطرق الأمنية ـ العسكرية، ولا بالطرق السلمية، وأن الدخول لاحقاً في تفاوض حولها، قد لا يكون الوسيلة الناجعة، لأن التفاوض قد يجر مزيداً من الوقت وسيكون مكبلاً بهكذا اتفاق.
خامساً: ان اتفاق عدم الاعتداء يتم في حالات كثيرة حين لا تكون إحدى الدول المنضمة إليه، محتلة للأرض وتخرق بشكل يومي المجال الجوي للدولة الأخرى، وتهددها، وتتوعدها بعدوان. ويعني في مثل هذه الحالة أن الدولة التي لديها أرض محتلة تغاضت عن حقوقها في أراضيها وألحقتها الدولة المحتلة بها، ولا تزال في الوقت نفسه تعتدي أو تهدد باعتداءات.
وليس لمصلحة لبنان التخلي عن القرارات الدولية ذات الصلة، ولا عن المبادرة العربية للسلام التي يتمسك بها كحل شامل للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. وبالتالي لن يقبل بأي اتجاه لتحجيم حقوقه والسبل الآيلة الى الحصول عليها، وتقويضها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.