هناك ما يكفي من المعطيات للدلالة الأكيدة على أن الوضع الراهن بين المجتمع الدولي وروسيا الاتحادية لن يصل الى مرحلة مشابهة للحرب الباردة التي كانت قائمة سابقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وهناك ما يكفي، للتشديد على ان الرفض الروسي لمبدأ آحادية الدور الأميركي في العالم، لن يؤثر على القضية اللبنانية، بحكم استمرار الثوابت الروسية حيالها.
وفي المعطيات حول استبعاد الحرب الباردة، وحيث لا تأثير واقعياً على لبنان من جراء تنبه روسيا لدورها، ولعدم المسّ بمصالحها الحيوية، الأسباب الآتية:
ـ ان الحرب الباردة تتطلب نظامين اقتصاديين مختلفين، والنظام الاقتصادي الروسي، الذي لطالما اندمج في النظام الاقتصادي الدولي، بعد اندماج النظام السياسي هناك بالنظام العالمي، الذي انبثق بعد الحرب الباردة، وأصبح نظاماً رأسمالياً مثل النظام الأميركي والأوروبي، بات من الصعب جداً اعادة فصله عن المنحى العالمي في الاقتصاد، الأمر الذي يعيق التوصل الى الحرب الباردة مهما ازدادت العناصر التي تشير الى استفاقة روسيا لدورها ومداها الحيوي في مرحلة شبه الجمود الأميركي مع بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية الأميركية، بعد نحو شهرين من الآن.
ـ ان الحرب الباردة تحتاج من روسيا ايديولوجية خاصة بنظامها على المستوى السياسي. بل ان ما باتت تقوم عليه روسيا هو الدولة والكنيسة والجيش. وهو أمر يشابه كثيراً مقومات الدول الكبرى في العالم.
ـ ان الانفصام الاقتصادي هو أول مؤشرات الدخول في مرحلة الحرب الباردة. وتبعاً لذلك، فإنه أمر ليس وارداً في العلاقات الدولية ـ الروسية، حيث ان موسكو أهم مصدِّر للغاز الى أوروبا والعالم، وتستورد من هذه الجهات ببلايين الدولارات سنوياً من التجارة. كما ان الدول الأوروبية رفضت العقوبات على روسيا، انطلاقاً من المصالح المشتركة.
ولا شك بأن روسيا ستؤدي منذ الآن وصاعداً دوراً محورياً سيكون له وقعه على القضايا الشرق أوسطية والاقليمية، حيث الوضع اللبناني يبقى أكثر المتأثرين بتداعياتها. لكن ما يؤدي الى عدم القلق في شأن انعكاسات دورها لبنانياً، هو ان لدى موسكو خطاً واضحاً رسمته بالنسبة الى قضية لبنان، ويرتكز على ما يلي:
ـ ان روسيا تنظر الى لبنان من خلاله وليس من خلال أي دولة أخرى.
ـ هي تؤيد سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه.
ـ تؤيد الحوار الوطني الداخلي، لأنه السبيل الوحيد لتحقيق الوفاق والتفاهم في لبنان حتى بين المؤسسات الدستورية فيه.
ـ تسعى الى تطبيق كل القرارات الدولية حول لبنان، بما فيها ما يتصل بالمحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى ذات الصلة، وهي ساهمت مالياً في صندوقها. وكذلك تدعم القرارات ذات الصلة بالسيادة والاستقلال، وهي تتطلع الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، والى اقامة علاقات ديبلوماسية فعلية.
ـ ان موسكو لا تعتمد في مواقفها الدولية المستجدة على سوريا أو ما يتصل بالعلاقات معها. بل ان لديها علاقات قوية ومتينة مع كل الدول العربية خصوصاً مع الخليج العربي، ومع جامعة الدول العربية، وهي عضو مراقب في منظمة المؤتمر الاسلامي.
وتسلط الأضواء حالياً على الأداء الأميركي حيال مؤتمر موسكو المرتقب انعقاده في نهاية تشرين الأول المقبل، أو بداية تشرين الثاني، للسلام الشامل في الشرق الأوسط. وذلك لناحية حصول محاولات أميركية لتأجيله أم لا، وسط اصرار روسي على عقده. وأي محاولات للتأجيل ستصب في اطار الموقف الأميركي من موسكو على خلفية التطورات الأخيرة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.