بعد انتهاء المحطة الفرنسية في دمشق، بدأت الأطراف الداخلية والخارجية تقدم قراءاتها لهذا الحدث السياسي، ولعل أبرزها القراءة الفرنسية الديبلوماسية لما نتج عنها وللتصريحات التي أعلنت خلالها، لا سيما حول الوضع في لبنان.
وتفيد أوساط ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع، ان باريس أبدت استغراباً شديداً، لمضمون تصريح الرئيس السوري بشار الأسد حول "الأمن الهش في لبنان، وحول وضع منطقة الشمال وأسباب التوتر فيها، ذلك ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وخلال القمة الذي جمعته بالرئيس الأسد، أثار مسألة الشمال، وأبلغه ان عدم الاستقرار في الشمال لا يستهدف لبنان فقط في الأمن والاستقرار، انما أيضاً يستهدف المنطقة برمتها، طالباً بذل الجهد والتعاون في موضوع الاستقرار الذي ليس من أحد له مصلحة بزعزعته.
ومن هذا المنطلق، فان الاهتمام الفرنسي بالاستقرار في لبنان، في اطار المعادلة التي أرسي على أساسها اتفاق الدوحة، ومضمونه. وبالتالي، بالنسبة الى فرنسا، فان أي إخلال بالاستقرار، يعني خرقاً واضحاً لاتفاق الدوحة، ونقضاً لمسار التعاون لتسهيل تنفيذ هذا الاتفاق.
وهو الأمر الذي سيبقى محور متابعة فرنسية مكثفة بعد زيارة ساركوزي لدمشق، ان كان مع القيادة السورية أو مع الأفرقاء في لبنان، في سبيل درء المخاطر التي تحيط بمصير هذا الاتفاق.
إلا ان باريس، بحسب الأوساط، تستبعد التوقع ان تعود سوريا عسكرياً إلى لبنان عبر بوابة الوضع في طرابلس. اذ انه ليس هناك مصلحة لدمشق في القيام بذلك، للأسباب التالية:
ـ عودة سوريا التدريجية الى الساحة العربية بعد شبه مقاطعة واسعة واكبها انزعاج واستياء كبيران.
ـ المفاوضات السورية مع اسرائيل حول السلام على مسارهما، وهي وان كانت لا تزال سرية وغير مباشرة حتى الآن، لكنها مرشحة لان تكون علنية ومباشرة لدى حصول ظروف مؤاتية دولية ـ اقليمية.
ـ التقدم الكبير الذي شهدته العلاقات السورية ـ التركية التي تعتبر جيدة جداً.
ـ العلاقات الايجابية التي بدأت تنطلق بين كل من فرنسا وأوروبا مع دمشق.
ـ ان الايجابيات التي سجلت لسوريا على المستويين العربي والدولي لدى تسهيلها تطبيق اتفاق الدوحة الخاص بلبنان، وتعاونها في هذا المسار، لن تقود دمشق الى العمل لبيعها بسرعة، عبر العودة الى التدخل في لبنان لا سيما من الناحية العسكرية.
ذلك ان أي تدخل متجدد سوري في لبنان، سيعيد وضع دمشق الخارجي الى ما كان عليه قبل اتفاق الدوحة. وهذا ما أبلغت به دمشق من القيادة الفرنسية، وان الموقف السوري هو تحت المجهر الدولي وأن أي وضع غير مستتب في الشمال، ستكون له تداعياته ليس فقط على استقرار المنطقة، بل أيضاً على مصير إستكمال الخطوة الفرنسية والأوروبية في اتجاه دمشق.
وعندها لن يكون لفرنسا فقط موقف بل أيضاً للاتحاد الأوروبي، وان فرنسا مثلما أخذت على عاتقها الانطلاق بالحوار مع سوريا، على أساس تطبيق اتفاق الدوحة ودعم الاستقرار اللبناني، والحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، فإنها ستجد نفسها أمام موقف جديد من سوريا، اذا ما تم حصول خرق لاتفاق الدوحة.
وتكشف الأوساط، ان ساركوزي اثار مع الرئيس الأسد موضوع المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
وأبلغه ان فرنسا لا تساوم أبداً مع سوريا حول هذا الموضوع، وان ملف المحكمة بات في عهدة المجتمع الدولي، وليس لباريس مصلحة أو صلاحيات لفرض أمور على التحقيق والمحاكمة أو تخفيف العقوبات.
وقد تشهد العلاقات الفرنسية ـ السورية في المرحلة المقبلة زيارات رسمية متبادلة لمتابعة نتائج القمة والتشاور حول الوضع في لبنان والمنطقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.