ما هو أبعد من الاهتمام العربي والدولي بالاستقرار والتهدئة في لبنان، ذلك المتصل بالاهتمام بالانتخابات النيابية التي ستكرس طابعاً معيناً سيلقي بظلاله على أي توجه دولي أو اقليمي في شأن الوضع اللبناني للمرحل المقبلة، وسيكون هو الأساس، الأمر الذي يجعل مصادر ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع، تربط أي تطورات داخلية أكانت سياسية أو أمنية بالاستحقاق الانتخابي.
ذلك أن نتائج الانتخابات النيابية ستؤثر حكماً على الأدوات السياسية الدولية والاقليمية في لبنان. وستنعكس بالتالي، على مسار الصراع بين الطرفين، لما ستحمله من رسائل يسعى كل طرف منذ الآن الى الحصول على مكاسب من خلالها، أو على الأقل الحفاظ على دور ما في ظل ما ستبرزه. كما أن الاهتمام المباشر منذ الآن بالمنحى المحتمل الذي ستسلكه، ومواكبته بعناصر من التفاعل الدولي الاقليمي المحدد أو المبرمج، أو عناصر من ازدياد الضغوط، كلها تصب في إطار خلق أوراق للمساومة، بهدف عدم خسارة الدور، لأن الجميع سيتموضع في إعادة صياغة دوره وفقاً لهذه النتائج.
وتتوقع المصادر ازدياد الحركة الديبلوماسية العربية والدولية في اتجاه لبنان، من أجل استطلاع الاستعدادات الانتخابية ومسارها، وبذل الجهود في سبيل الاستقرار والتهدئة في الداخل.
وهذه الغاية تمر عبر متابعة الدول التي زار مسؤولون كبار فيها لبنان، أي مصر وفرنسا والولايات المتحدة، ما جرى التفاهم حوله مع أركان الحكم حول التهدئة. واستناداً الى مصادر سياسية بارزة في بيروت، فإن هؤلاء سيقومون بمساعٍ مع أطراف متعددة لتذليل العقبات من أمام العودة الى التهدئة والتفاهم، وبغية منع الفتنة والتصلب في المواقف. وفي الوقت نفسه، طلب من لبنان، العمل بجدية من أجل ضبط الوضع الداخلي، وانضباط فلتان التسليح والسلاح، وانضباط المواقف السياسية والكلام غير الواقعي، ووقف التصعيد الإعلامي، على أن يكون ذلك سبيلاً الى تعزيز الثقة الداخلية، واستعادة الاسترخاء السياسي، بدلاً من القلق والخوف من تطورات الوضع سياسياً وأمنياً، الأمر الذي عاد يشغل بال الدول.
وتكشف المصادر الغربية أن الاهتمام العربي والدولي بالانتخابات يمر عبر بوابة التهدئة الى إبراز دور الاعتدال الداخلي، وأهميته في وجه قوى التطرف، بحيث أن دعم التطرف من جهة، سيواجه بتطرف، أو أنه سيسمح للتطرف المقابل بتبرير تطرفه. وإن الصراع بين التطرف المذهبي لن ينحصر في لبنان، بل سيتوسع الى دول المنطقة وهذا ما لا تريده الدول المحورية العربية فيها، التي تنصح أيضاً الولايات المتحدة بالتنبه الى هذه المسألة.
وعقدت في مصر اجتماعات عدة حول لبنان، على المستوى الديبلوماسي هدفت الى قراءة الاحتمالات بالنسبة الى الانتخابات النيابية. ويتزامن ذلك، مع نقاش داخل الخارجية المصرية حول إمكان أن تغير مصر لهجتها حيال إيران في ظل التهدئة الأميركية ـ الإيرانية الحالية.
وتلاحظ المصادر أن المملكة العربية السعودية باشرت مجدداً بأداء دور التوفيق والاعتدال بين الأطراف اللبنانيين، بشكل بعيد عن أي تراجع أو تنازل حيال الطموحات السورية.
وتتحرك أوروبا أيضاً لمعرفة أجواء الانتخابات ولإبلاغ رسائل في أكثر من اتجاه، لا سيما لروسيا الاتحادية بعد التطور في جورجيا، بأن لدى الأوروبيين في لبنان ومواقع عدة في المنطقة، نقاط ارتكاز تجعلهم قادرين على لعب دور مهم لا يمكن التأثير سلباً عليه.
وتبقى العلاقة العربية ـ السورية، في خضم الموقف في لبنان. وهناك أكثر من علامة استفهام حول ردة الفعل السورية على الساحة اللبنانية، في حال استمر منحى الانفتاح الفرنسي ـ الأوروبي على دمشق، من دون أن يتزامن مع انفتاح عربي أيضاً، لا سيما من الدول المحورية.
والواقع الذي ستفرضه الانتخابات، سيفرض بدوره تعاملاً محدداً من الدول، إن كان مع الأكثرية أو مع المعارضة، سيتبلور في حينه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.