تطرح المواقف الروسية المستجدة حيال اكثر من قضية في العالم، علامات استفهام في شأن تأثيرها على الموضوع اللبناني وقضايا لبنان، خصوصا وأن جزءاً كبيراً منها يتناوله مجلس الامن الدولي بشكل دوري، فضلاً عن انها باستمرار محور متابعة دولية من خلال الاتصالات والمشاورات السياسية التي لم تنقطع، والتي كان لموسكو دور فاعل في العديد من محطاتها. مع العلم ان لبنان آثر اللاموقف في القضايا التي أثرت في المواقف الروسية.
ولا تضع اوساط ديبلوماسية بارزة المواقف الروسية وآخرها حول جورجيا، في اطار الرغبة في العودة الى الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. ولا يزال مبكراً الخوض في مثل هذه الفكرة، انما ارادت روسيا توجيه رسالة الى الولايات المتحدة مفادها ضرورة عدم استبعاد مصالحها في العالم، وقصدت بتوقيت ارسال هذه الرسالة في مرحلة الجمود الاميركي النسبي على مستوى السياسة الخارجية، لعب دور ما تريد التأكيد عليه قبل تسلم الحكم الجديد في الولايات المتحدة.
ومواقف موسكو التي بدأت بإبراز العضلات قبل اشهر قليلة، تجلت لدى مواجهتها الابواب الموصدة امام مصالحها فعمدت الى المعاندة في مواقع اخرى. وعلى الرغم من محدودية الانعكاسات المباشرة لذلك على لبنان، الا ان الامر كان من احد الاسباب التي فرضت التهدئة الدولية، ليس في مجلس الامن فحسب، انما ايضاً في الدفع باتجاه تعاطٍ اكثر مرونة مع القضايا الاقليمية المطروحة. وهذا ما أثر على طبيعة تعامل مجلس الامن ايضاً مع القضايا اللبنانية المطروحة عليه في اطار المراجعات والتقارير ذات الصلة بالقرارات الدولية.
ولم تكن هذه النتيجة من جراء مواقف روسيا وحدها، لكنها احد الاسباب التي أوصلت الى تراخي الاجواء بديلاً من الضغوط القاسية دولياً، ومحاولة تخفيف التصعيد في القرارات او المواقف الدولية، حيث مؤشرات الاعتراضات ستكون قوية ومعرقلة. وأيضاً، ليست السبب الوحيد لأنها تزامنت مع الموقف الدولي الشامل الذي اتخذ في شأن لبنان، مساراً آخر غير التصعيد، وهناك أمل في تحقيق تقدم ملموس من خلاله، وجميع اللاعبين الدوليين، ينتظرون نتائج هذا المسار وحين لا يمكن التصعيد في ظل اللجوء اليه. كما تزامنت مع مرحلة الاستعداد الاميركي للانتخابات الرئاسية، وفي هذه الفترة تحد قيادة العالم من حركتها في انتظار الادارة الجديدة وسياستها حيال كل الملفات المطروحة في العالم، ومن بين ذلك سبل تعاملها مع روسيا الاتحادية ومع "التراكمات" التي جعلت موسكو تتجه الى المعارضة او المشاكسة، وما ادى اليه الامر على مستوى قضايا العالم.
وستتجلى التهدئة في مجلس الامن حول لبنان، فضلاً عن طبيعة التعامل الاخير مع تقارير الامين العام، بالدعوة الى التعاون وتنفيذها بالحوار، في موضوع التمديد سنة جديدة للقوة الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" بموجب القرار 1701 في 27 آب الجاري، بحيث سيتضمن مشروع القرار الخاص بذلك نقاطاً تقنية متصلة بالتجديد، وسيتجنب الخوض في استعادة ابراز العناصر السياسية الواردة في القرار 1701 لتجنب تأخير التمديد او عرقلته الذي قد تلجأ اليه بعض الدول، ليس بقصد عرقلة موضوع يهم لبنان، بل بقصد عرقلة توجه اميركي ما مثلاً، قد يدفع لبنان ثمن تداعياته. لذلك سيكون مشروع القرار بسيطاً لن يؤدي الى توسيع النقاش ولن يضيف عناصر سياسية اخرى.
وما يجعل الاوساط الديبلوماسية تستبعد العودة الى الحرب الباردة، هو ان موسكو لديها مصالح في ظل القيادة الاميركية الاحادية للعالم، على الرغم من انزعاجها الشديد من تطورات حدثت لم تكن لتوافق عليها. وستعالج الادارة الجديدة في واشنطن اسباب تطلع موسكو الى دور جديد لها في العالم والذي نتج عن سلسلة امور هي:
ـ استقلال كوسوفو الذي شكل نقطة تحول كبيرة في روسيا، وجاء تعاطي موسكو مع جورجيا بهذا الشكل، على سبيل الرد على مسألة كوسوفو.
ـ نشر الدرع الصاروخية الاميركية في دول اوروبا الشرقية سابقاً والجمهوريات السوفياتية سابقاً، ما اعتبرته روسيا تعدياً على مجالها الحيوي، وعلى مصالحها في هذه المناطق، ولن تتوانى عن رفض ذلك، حتى لو كان الثمن على غرار ما حصل في جورجيا.
ـ النقص في التشاور السياسي الدولي مع روسيا في معالجة قضايا العالم. وهي عادت لتسجل ارتياحها للحل في لبنان وللدور الفرنسي والاوروبي وميزته التوازن والاعتدال. كما سجلت ارتياحها للتطورات في العراق والمنطقة، وترى ان واشنطن تسرعت لا سيما حيال العراق ونشر الديموقراطية في المنطقة، وأبلغت واشنطن ان خيارات الشعوب تنبع من الداخل والتاريخ وليس من النظريات.
وبسبب هذا النقص وما اعتبرته تهديداً لمصالحها الحيوية، رغبت في العودة الى عناصر لاستجماع قوة سابقة للاتحاد السوفياتي من خلال زيارة الرئيس السوري بشار الاسد اليها، وتحسين علاقاتها مع كوبا وفنزويلا وممارسة حق النقض "الفيتو" في مجلس الامن في قضية زيمبابوي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.