وسط تكثيف الاتصالات المتعلقة بالتفاهم على الحقائب الوزارية بين الأكثرية والمعارضة في الحكومة الجديدة والتي يبدأ الرئيس المكلف اليوم استشاراته النيابية لتشكيلها تتوقف أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع على الأجواء الدولية ـ الاقليمية التي ساهمت في الخروج باتفاق الدوحة، عند أهمية الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة 2009 ومؤثرات "حساب الدوحة" السياسي في تداعيات هذه المحطة المفصلية.
ذلك ان هذا الموضوع، شكل أحد القواسم المشتركة التي كانت وستبقى محور رهان، ليس فقط من الأكثرية التي لديها ملء الثقة بما ستؤدي إليه هذه الانتخابات وبما ستعيد فرضه من جديد على الواقع السياسي اللبناني لناحية تثبيت فوز المنحى السيادي والاستقلالي، إنما أيضاً من جانب المعارضة، ودمشق أيضاً، التي تراهن على فوز حلفائها، انطلاقاً من ان أية مستجدات دولية لن تحصل من الآن وحتى حصول هذه الانتخابات، وان استحقاق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لن يغير من جمود القرارات، ومن الآن وحتى اتضاح صورة السياسة التي ستتبعها الادارة الأميركية الجديدة بعد أشهر من تسلم الرئيس السلطة، تكون الانتخابات النيابية اللبنانية قد مرّت، أو أنها ستتزامن في التاريخ مع بلورة أي سياسة في واشنطن.
رهان الانتخابات والدوحة
وهذا الرهان من جانب دمشق خصوصاً وطهران، شكل أحد الأسباب الذي كان وراء عودتهما للقبول بتمرير الحل في لبنان، بحدود معقولة. لكن بدءاً من انتخاب الرئيس ميشال سليمان التوافقي، وبواسطة هذا القبول تم إعطاء خطوة إيجابية من جانبهما للمجتمع الدولي وللأوروبيين وللعرب لاسيما إلى قطر.
ومن جملة التحديات التي واجهت المجتمعين في الدوحة، وجود خيارين أمام ما قد ينتج عن هذا التحرك. الأول، فشل التوصل إلى توافق، مع ما يؤدي ذلك إلى مرور موعد الانتخابات النيابية من دون انتخابات، ما يعني توافر الظروف السلبية التي تستطيع، للاطاحة بها إلى أجل غير مسمى. والثاني: حصول تفاهم بحد معقول يُفسح المجال من خلاله، لفريقي الأكثرية والمعارضة انتظار استحقاق الانتخابات النيابية. على أن تتم مرحلة الانتظار هذه في ظل وجود رئيس للجمهورية يدير الحوار الوطني حول المسائل التي لحظها اتفاق الدوحة، وفي سياق تهدئة سياسية وأمنية يجب الحرص من الجميع على استمرارها، على الرغم من ان هذا الرهان من جانب المعارضة، ومَن يقف خلفها، سيُحسب جيداً من الأكثرية، التي تتوقع، بحسب الأوساط، تركيزاً دقيقاً من أقطابها على الانتخابات النيابية، وعلى منع محاولات "تهشيم" رموزها في الحكومة وادائهم، والسعي لتحميلهم مسؤولية ظروف قد يتم خلقها بهدف إضعاف دورهم.
وتضع الأوساط تراتبية المواقف التي أدلى بها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، واستمرار العمليات الأمنية للحزب في بيروت بغض النظر عن قرار مجلس الأمن المركزي حول حفظ الأمن في العاصمة، ومعارضة 59 نائباً لترشيح رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة لهذا المنصب، الذي تولاه، تضعها في خانة فتح المعركة الانتخابية منذ الآن، وبعيد اتفاق الدوحة مباشرة، والسعي لاستعمال كل الوسائل المتاحة للفوز بها.
وعلى الرغم من حصول ضغوط أميركية وأوروبية من أجل عدم تحويل الانتصار الأمني في الشارع إلى انتصار سياسي في اتفاق الدوحة، مقابل تراجع الولايات المتحدة عن مشروع قرار في مجلس الأمن ذي مضامين قاسية، ومن أجل حصول اتفاق متوازن، فان هناك علامات استفهام كبرى مطروحة، اولها، هل ستعمد المعارضة ومن يقف وراءها من الدول، الى القبول بأي نتائج للانتخابات النيابية المقبلة، حتى لو فشلت في رهانها؟ ام ان فشل رهانها سيجدد تصلبها في وجه الاكثرية الفائزة مجدداً، ويجعلها تعمد الى العرقلة والخربطة بمختلف الوسائل المتاحة؟.
ثم ان ما مصير التعاون الذي ابدته دمشق وايران على المستوى الدولي حيال لبنان، عبر اتفاق الدوحة، في حال فازت الاكثرية مجدداً في الانتخابات، فهل يمكن عندها العودة مجدداً الى طلب التعاون السوري والايراني من جانب العرب والعالم لمنع العرقلة.
ان دمشق، بحسب الاوساط، تعتقد انها تمكنت من خلال اتفاق الدوحة ارسال اشارات، حول انها فرضت نفسها مفاوضاً قوياً لا يمكن بدونه التوصل الى التفاهم في لبنان، ومن دون تدخلها، الى الحد الذي يمكن من خلال دورها استعمال الشارع وفي التوقيت الذي يراد. كما انها ابلغت الفرنسيين وبكل وضوح، انها من غير الممكن ان تقوم بافشال دولة صديقة لها مثل قطر، وانها لذلك ساهمت في حل متوازن على المستوى الداخلي اللبناني. وانها اعتبرت نفسها دخلت على خط اتفاق الدوحة من موقع الذي حقق انتصاراً له ولحلفائه. ولفتت الاوساط، الى انه في تقدير دمشق، ان الخطوة الايجابية في لبنان، لها مردودها على المستوى الدولي، وان قانون الانتخابات قد يقلب المعادلات وتصبح الاقلية اكثرية، وان القدرة على العرقلة واساليبها تبقى موجودة في اي وقت لاستعمالها مجدداً، وان سلاح "حزب الله" موجود ايضاً. وان لا خسارة من اتفاق الدوحة، بل على العكس تمكنت من لعب دور ايجابي ساعة ارادت، وافهمت العالم كله انها قادرة على ذلك في لبنان.
الاكثرية لم تخسر
وتشير الاوساط، الى ان الاكثرية لم تخسر ايضاً، فانه من جراء الموقف السوري هذا، فان اي "خربطة" متجددة، سيتهم كل العالم الجهة المعرقلة بوضوح، بعدما اثبتت قدرتها على التحكم في مفاصل مهمة، ما يؤسس لمواقف عربية ودولية اكثر تفصيلاً وحزماً. كذلك ان القانون الانتخابي، سيحقق للاكثرية فوزاً يتيح امامها تجديد اكثريتها، كما انها حصلت على عدم التمسك بفيتو ضد عودة السنيورة رئيساً للحكومة.
وفي الاساس، استطاعت تحقيق مطلبها انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية وحققت تمسكها به كرئيس، وبمنع استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الاولى.
وتؤكد الاوساط، ان الرهان الاقليمي على الحكم الجديد في الولايات المتحدة يواجه صعوبات، لان ليس من مسؤول اميركي سيغير الثوابت، ويسمح بتسليم لبنان الى اي دولة. على ان تحقيق الاستقرار في لبنان وحدا كبيرا من الاستقلال، يخضع للعديد من التقلبات والتطورات السياسية الاقليمية والدولية، يستدعيان معرفة السير في ما بينها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.