8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القاسم المشترك في وجهتي النظر صدقية المحاكمة ونزاهتها

ما أن ينهي مجلس الأمن الدولي اليوم النظر في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول مجريات تطبيق القرار 1559، وبتطورات الوضع اللبناني التي حصلت أمس، والتي تشكل في أحد أبعادها ما يلزم العمل لتنفيذ هذا القرار والقرار 1701، سيتفرغ المجلس لموضوع التمديد للجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الإرهابية ذات الصلة، وهي التي تنتهي ولايتها في منتصف حزيران المقبل.
وبدا لافتاً، اهتمام العديد من الدول بأن يُصار إلى تسلُّم رئيس لجنة التحقيق القاضي دانيال بيلمار مهمة المدعي العام في المحكمة بالتزامن مع التمديد لمهمة اللجنة لولاية أخرى، في حين تتمسك دول أخرى بضرورة عدم التزامن بين المهمتين لأن الأولوية تبقى لإعلان بيلمار فعلاً أنه أنهى ملفه في التحقيقات، وأن اكتمالها وجهوزيتها بالتالي يحتمان تحوله إلى منصبه الآخر، أي المدعي العام، بصورة فورية ومن دون إبطاء.
ومن الواضح، أن هناك قاسماً مشتركاً بين الرأيين، وهو وجوب أن تأخذ العدالة مجراها في لبنان وما تقتضيه أوضاعه من تسريع لضبط الأمور، ووقف الجريمة السياسية، وفي وجوب إبقاء القضية والمحاكمة منزّهة عن أي ظروف تأميناً لصدقية المسار القضائي ونتائجه.
إلا أنه رغم وجود هذا القاسم المشترك، فإن النقاش الديبلوماسي داخل الأمم المتحدة من جهة، وبين الأمم المتحدة والدول الفاعلة، في مجلس الأمن من جهة أخرى، حول تزامن مهمتي بيلمار أو عدمه، يجري بعيداً عن الأضواء، ولم يُحسم بعد، استناداً إلى مصادر ديبلوماسية بارزة، وما يمكن أن يسهم في حسم الموضوع، الطلب الذي تنتظره المنظمة الدولية من الحكومة اللبنانية حول التجديد لولاية اللجنة، والعناصر التي سيحملها هذا الطلب، وما إذا كانت ستشتمل على أي موقف لديها متصل بتوقيت تسلم المدعي العام لمهمته، وأسس هذا الطلب، وذلك في ضوء الفكرة التي كان وزير العدل شارل رزق طرحها حول أن لبنان يؤيد تسلم بيلمار منصبه مدعياً عاماً في المحكمة في أسرع وقت.
مشاورات غير معلنة
وسيشكل الطلب اللبناني وما سيحويه من عناصر محددة، مادة نقاش ستطرح نفسها بقوة أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والمشاورات الجارية أساساً حول هذه النقطة بصورة غير معلنة.
ومن المؤكد، أنه إذا ما تضمن الطلب اللبناني بالتمديد للجنة مسألة تسريع تسلم المدعي العام لمهمته، فإن الأمر يتطلب من لبنان القيام بتحرك ديبلوماسي دولي يؤمن من خلاله تسهيل القرار حول ذلك، ويزيل أي احتمالات للعرقلة قد تلجأ دول ما الى وضعها، ولو لخلفيات لا تتصل بالضرورة بالموضوع اللبناني وموقفها منه، بل لأسباب متصلة بملفات أخرى، لا تمت لعلاقاتها مع لبنان بصلة. وتبعاً لذلك، تبدو مواكبة الأمر ضرورة بالغة، خصوصاً أن أي عراقيل في موضوع تسلم المدعي العام منصبه بالتزامن مع منصبه كرئيس للجنة، قد تلعب دوراً في تعقيد التمديد للجنة، مع الإشارة الى أن، تعيين المدعي العام يمكن أن يقوم به الأمين العام للأم المتحدة في الأساس. في حين أن التمديد لمهمة اللجنة، يحتاج الى قرار جديد من مجلس الأمن الدولي. إلا أن احتواء طلب التمديد على عنصر التعيين للمدعي العام، يحتاج الى اتصالات استباقية وتفاهم يمهد لتمرير الفكرتين معاً من دون أي عراقيل.
ولاحظت المصادر، أن التمديد للجنة قضية ملحة ومطلوبة دولياً، لكي لا يقع التحقيق في الفراغ في مرجعياته. لكن التزامن في منصبي المدعي العام ورئاسة اللجنة دونه علامات استفهام لدى بعض الدول، أبرزها روسيا.
ومن بين الأسباب التي تتمسك بها الدول التي حذرت من التزامن، ضرورة اكتمال التحقيق وإقفال ملفه، بحيث يأتي الحديث عن تسلم المدعي العام في مرحلة قضائية تستحق البدء يالمحاكمة، لكي لا يتم ضرب عمل المحكمة، أو إفقادها صدقيتها. ذلك أن الأدلة الكافية تضمن المحاكمة، وإن عدم وجود الأدلة الكافية من خلال عدم اكتمال التحقيق قد يجعل من المجرمين أبرياء. لذا من المهم أن يصل التحقيق الى مرحلة كافية في الأدلة والمعطيات، يحددها بيلمار بنفسه، قبل بدء المحاكمة. وهو بنفسه كان أعلن حاجة اللجنة الى وقت إضافي لاكتمال التحقيق.
وتتمسك هذه الدول بضرورة أن ينتهي التحقيق قبل أن يبدأ القضاة عملهم. وبالتالي يجب تأخير عمل القضاة، خصوصاً أن بدء عملهم يستوجب دفع أتعابهم وهو من التبرعات التي تم تجميعها لصندوق المحكمة، وإذا ما تأخرت نتائج التحقيق والقرار الاتهامي فلماذا يبدأ هؤلاء عملهم وكيف؟. في حين أن اللجنة يتم تمويلها من موازنة الأمم المتحدة وليس من التبرعات الدولية المخصصة للمحكمة. وتشير هذه الدول الى رفض المحققين الضغوط لإنهاء التحقيق في حال انطلقت المحكمة بسبب سريان التمويل لمهمتها، وذلك على غرار ما كان يحصل في محكمة يوغوسلافيا.
ويجب بالتالي، بحسب هذه الدول أن يأخذ التحقيق مداه الزمني من دون كلفة على المحكمة.
إنما الدول التي تتمسك بالتزامن بين المنصبين، لا ترى مانعاً في أن تبدأ المحاكمة في الوقت الذي يرى ذلك بيلمار ممكناً وفي وقت قريب، على أن تستكمل المحكمة التحقيقات اللازمة الإضافية. وهذا النقاش يعد أمراً طبيعياً مع بدء العد العكسي لإنجاز التحقيق. ولإنجاز ترتيبات بدء المحاكمة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00