بدا لافتاً لدى العديد من زوار واشنطن السياسيين والديبلوماسيين من المنطقة، أن لدى الإدارة الأميركية اهتمام خاص بالوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبضرورة تحقيق إنجاز ما على المسار السلمي بين الطرفين، من دون أن يكون ذلك على حساب الاهتمام بالموضوع اللبناني أو العراقي أو بالملف الإيراني.
وما من مسؤول أو ديبلوماسي أميركي إلا ويتحدث عما يمكن القيام به من أجل المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والتركيز على ذلك. وقد دلت الزيارتان اللتان قاما بهما الى واشنطن رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس، والملك الأردني عبدالله الثاني والمباحثات التي أجريت على هذا الاهتمام البالغ.
وتفيد مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، أن الإدارة الأميركية ترغب في إحراز تقدم جوهري على هذا المسار، يكون على مستوى الإنجاز لهذه الإدارة قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش. وترى الإدارة أن ذلك قد يكون ممكناً خصوصاً لجهة تحقيق الخطوط العريضة لهذا الاتفاق، على أن تبقى ترجمته العملية إذا ما واجه صعوبات الى مرحلة لاحقة. لكن الإنجاز إذا ما تكرس يكون في الخطوة الأساسية حيث كان وعد بوش خلال جولته في المنطقة مطلع السنة الحالية بالسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وإقامة الدولتين.
وتنظر الإدارة الأميركية، بحسب المصادر، الى أهمية هذا الإنجاز كما يلي:
أولاً: إن من شأنه تسهيل مهمة الرئيس الجديد الذي لا يزال الأوفر حظاً وهو المرشح الجمهوري جون ماكين. ما يضع أمامه على السكة التوجه الأميركي في الاستراتيجية حيال المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
ثانياً: إن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تعتبر أن المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية هي مسألتها وتوليها اهتماماً متزايداً، من هنا كانت لها جولات عديدة ومكثفة في المنطقة في المرحلة الأخيرة. وهي تعتبر أن الإنجاز في هذا الملف يشكل خرقاً مهماً على صعيد السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خصوصاً أن لرايس حظوظاً كبيرة في أن تتولى منصب نائب الرئيس الأميركي في حال فاز ماكين في الرئاسة، بحيث أن وجود امرأة في هذا المنصب يعد تفوقاً ضخماً.
ثالثاً: إن تحقيق تقدم جوهري في السلام على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يشكل بالنسبة الى الولايات المتحدة مجالاً لتطويق إيران انطلاقاً من البوابة الفلسطينية، التي لطالما تذرعت إيران بحمايتها ودفاعها عن الحقوق الفلسطينية للدخول الى القضايا العربية والتأثير في مسارها، الى الحد الذي سجل قلقاً عربياً من الاستراتيجية الإيرانية التي تقضي بتوسيع نفوذها في المنطقة العربية وتعزيزه.
رابعاً: إن الإنجاز على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يؤدي من جهة موازية الى محاولة تطويق الدور السوري ودور "حزب الله" أيضاً في الترابط مع القواعد المتطرفة الفلسطينية، مع ما لدى هذا العامل من انعكاسات تطال أكثر من ملف في المنطقة.
مع لفت الانتباه الى أن الإشارات التي تقصد إسرائيل الإعلان عنها حول رد الجولان الى سوريا مقابل السلام، وترحيب سوريا بالمساعي وقبولها، تجاوباً مع هذه الإشارات، باستئناف التفاوض مع إسرائيل، لا تستبعد وجود دور إسرائيلي يصب في خانة تعزيز عامل تطويق سوريا وعزلها عن إيران، عبر الحديث عن الجولان.
وإذا ما ظهرت بوادر حلحلة فعلية بين الفلسطينيين وإسرائيل، برعاية أميركية، فإن ذلك سيؤدي الى الحد من فاعلية العديد من الأطراف الاقليميين على مستوى المنطقة وفلسطين في إطار العرقلة والأدوار السلبية. وتتجه الأنظار الى ردة الفعل السورية على الطرح الإسرائيلي، وما إذا كانت دمشق راغبة فعلاً باسترداد الجولان وأن قضيتها تقف عند حدود تحريره وهي التي طالما تمسكت بذلك، أم أن لديها طموحات في المنطقة لا تتأثر بمسألة مصير الجولان؟. وفي ذلك هل ستؤدي هذه الخطوة الى كسر التحالف السوري مع إيران، ولو أبلغت طهران دمشق باستمرار دعمها لها عسكرياً وسياسياً ولحزب الله.
فهل تفضل سوريا في ظل هذه الخيارات استرداد الجولان أم الإبقاء على التحالفات السياسية في المنطقة، استناداً الى المصادر. ولكل خيار مؤشراته التي تتصل بالوضع على الجبهات الاقليمية وفي لبنان، بحيث لا تستبعد المصادر، أن يكون الطرح الإسرائيلي جاء بعد تنسيق مع واشنطن، وأن أي ردة فعل سورية ايجابية من أجل استعادة الجولان، يفترض أن يتبعها في مرحلة لاحقة تسهيل للأمور في لبنان، الذي ينتظر ملفه المتعثر مقاربة ما لملفات أخرى، قد تؤدي الى تذليل العقبات أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومن أجل أن ينهي بوش عهده بإنجاز ما، فإن "الرباعية الدولية" دعيت للانعقاد في الأول والثاني من أيار المقبل على مستوى رفيع، ولهذا دلالة على الاهتمام الأميركي بحصول اختراق على صعيد السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وفي هذا السياق، لا ينفضل الموقف الإسرائيلي من اللجوء الى التصعيد مع "حزب الله" في لبنان أو عدمه. ذلك أن قرار اللجوء الى الحرب، سيخضع لمزيد من الدراسة ليس فقط للجهوزية الإسرائيلية، إنما أيضاً لمدى انعكاس إشعال الموقف في لبنان على التوجه لتحقيق إنجاز لدى الإدارة حول المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وما إذا كان ذلك يؤدي بالضرر على الإدارة في هذه المرحلة أم لا. فالمصادر لا تتوقع حرباً في حال تم القرار باللجوء اليها على الجبهة اللبنانية فقط، بل إن حصولها سيكون شاملاً في المنطقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.