يشكل "اختبار النوايا" الحلقة الأساسية التي تدور حولها المشاورات العربية بالنسبة الى أولوية انتخاب رئيس الجمهورية التي يتمسك بها كل من المملكة العربية السعودية ومصر ودول أخرى داعمة.
ذلك ان التثبت من النوايا الايجابية حيال تسهيل الحل، بات مرتبطاً بإزالة الشكوك التي برزت خلال اليومين الماضيين لدى قادة عرب بارزين حول محاولات لتقويض انعقاد اجتماع استثنائي لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث الأزمة اللبنانية والعلاقات اللبنانية ـ السورية كما طالبت الحكومة اللبنانية، وكما هدفت اليه جولة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة العربية، التي سيستكملها تباعاً.
هذا ما لفتت اليه مصادر ديبلوماسية على اطلاع واسع على المشاورات العربية الحاصلة حول لبنان. وهي تبدي قلقها من وجود مناورة جديدة، من شأنها اعلان "الورقة المخفية" في وقت لاحق، اذا ما جاءت نتائج التحركات لا ترضي مواقف المعارضة.
وما يزيد من قلق المصادر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري عبّر خلال زيارته أخيراً لدولة عربية محورية عن انه يعتبر مثل هذا الاجتماع غير مناسب، وان مبادرته الحوارية تأتي من ضمن المبادرة العربية للحل. وانه اذا ما كان البند الأول في المبادرة محسوماً، والبند الثاني المتعلق بالحكومة يمكن حله، فإن المشكلة هي في البند الثالث المتصل بالانتخابات النيابية وقانونها.
وأشارت المصادر الى ان بري أكد ان النقطة الأساسية لديه هي التسويق للحوار، وبدلاً من أن يكون هناك نزاع قائم في لبنان، يجب أن يجلس الجميع الى طاولة الحوار ويتباحثوا في القضايا العالقة. وأوضحت ان بري اشار الى انه لن يطرح فكرة تشكيل حكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال سليمان، لأنها مشروع فتنة مذهبية سنية ـ شيعية.
ولاحظت المصادر ان التقاطع بين أجواء الرئيس بري وأجواء الخارجية المصرية، يكمن في ان الحوار مفيد ومسألة جديرة بالمحاولات، وان حديثه حظي باهتمام واستماع وافرين. لكن المصادر، أكدت ان القاهرة لا ترى حظوظاً قوية لطروحاته مع انها جيدة، لكنها ليست متفائلة باحتمال تنفيذها، وانها تتعامل مع طروحاته بحذر كبير، مع ان الحوار بحد ذاته أمر مهم وليس خطأ، لما يؤدي اليه من تنفيس للاحتقان، وتسهيل لامكان حصول اختراق في اتجاه الحل في لحظة معينة، من دون ان يكون واضحاً بالنسبة اليها، ما اذا كان الحوار المطروح يتناول الصف الأول أو الثاني من السياسيين.
الاتصالات المصرية
وتفيد أوساط عربية ان هناك اتصالات مصرية ـ سورية مكثفة تلي قمة شرم الشيخ السعودية ـ المصرية، يتولاها رئيس الاستخبارات المصرية العامة اللواء عمر سليمان الذي زار دمشق أخيرا. وتحاول مصر حالياً تأدية دور لتقريب وجهات النظر السعودية ـ السورية على خلفية الملف اللبناني وتسهيل حل الأزمة بصورة جدية، وفقاً لأولوية انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وهذا الأولوية تم التفاهم عليها ومتابعتها في القمة السعودية ـ المصرية.
ويُعد تحرك سليمان، التحرك الرديف أو الموازي لتحرك موسى، لكن في الظل، وهو الذي يفتح الطريق أمام الأمين العام لاستئناف تحركه عملياً، لا سيما ان موسى أعلن انه سيتابع مسعاه وسيقوم بجولة عربية لهذه الغاية لكنه لم يحدّد موعدها بعد.
مع الإشارة إلى ان اللواء سليمان المطلع على الملف اللبناني، يحاول استكشاف جدية الطروحات السورية للحل بعد تسريب معطيات عن وجود استعداد لدى دمشق لتسهيله.
كما انه يسعى للتثبت من النوايا ومن المناخ الإيجابي الذي يتم الإعلان عنه ومن ان ليس هناك من إقفال للأفق، وذلك على مسافة زمنية تسبق بنحو أسبوع الجلسة النيابية المحددة في 22 نيسان الحالي لانتخاب رئيس للجمهورية. وكلما اقترب التاريخ تتزخم المشاورات.
رسالة سعودية إلى بري
وشكل الترحيب السعودي بالرئيس بري وبزيارته للمملكة نقطة محورية في التعامل مع مسألة الزيارة التي بقيت من دون تحديد موعدها. وبحسب الأوساط، فان الأسلوب السعودي يحمل في طيّاته رسالة محددة إلى بري تتناول ذهابه إلى دمشق أولاً، ثم ضرورة النظر في ما إذا كانت أفكار مبادرته الحوارية تتوفر فيها قابلية الاستمرار والجدية اللازمة لكيلا تكون لمجرد ملء للوقت. ولكيلا تكون مماثلة لمبادراته السابقة في ما آلت إليه من تحوُّل أو ابتعاد عن التطبيق.
من هنا الأهمية لدى المملكة في انتظار نتائج التحرك المصري على الخط السوري، بحيث تأتي زيارة بري في إطار إكمال أو إنضاج تفاهم ما. ولا لزوم لحرق المراحل ويجب انتظار الاتصالات التي تسير بهدوء وبعيداً من الأضواء.
وتدرك كل الأطراف العربية جيداً، انه إذا ما وجد قرار فعلي في دمشق بتسهيل الحل، فسيظهر، وان لا مجال لدى هذه الأطراف لمناورات جديدة خصوصاً ان الجميع بات مكشوفاً.
لذلك، كان هناك فارق بين ان يقصد الرئيس بري المملكة مباشرة من قطر، وبين ان يعود إلى بيروت وينتظر فيها تحديد موعد له.
فإذا ما تقدمت المباحثات المصرية ـ السورية، عندها ستبرز معطيات جديدة تحكم مستقبل الزيارة. وان لم تبرز فلن تغدو الزيارة أكثر من بروتوكولية. وبالتالي، تؤكد الأوساط، ان تأخير زيارة بري للمملكة مرتبط بتقدم الاتصالات المصرية مع دمشق. فربما تحمّل المملكة بري مواقف محددة.
كما ان أي تطور ايجابي وجوهري في الاتصالات المصرية مع دمشق سينعكس حتماً على تحديد موسى موعد استئنافه لتحركه الذي قد يبدأ من دمشق.
وترى الأوساط، ان هناك تراكم وقائع اثّر في الموقف السعودي، من دون ان يقطع الطريق أمام الزيارة.
فالصورة لدى المملكة واضحة جداً، وكذلك مدى قرب بري من دمشق، ومدى خدمته السياسية لها على مدى الفترة الماضية، والعراقيل التي واجهت استحقاقات عدة آخرها الاستحقاق الرئاسي.
والأولوية لانتخاب الرئيس التي تحاول مصر التفاهم حيالها مع دمشق، وهي أساس الحل، قد يستتبع تنفيذها البحث في كل الأمور والتوازنات. والنتائج ستنعكس حتماً على تعامل المعارضة مع المرحلة المقبلة لا سيما "حزب الله".
وتبعاً لذلك ستؤثر النتائج على مستقبل استمرار نظرية بري حول السعودية ـ سوريا (س.س). وستؤثر النتائج إذا ما كانت سلبية، على ما ستترجمه المعارضة من محاولات لزيادة الضغوط على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والاتهامات التي تطلق حولها، وبمزيد من الإصرار على قانون الـ60 للانتخابات النيابية، مع ما يستشف من بدء حملة للضغط على الحكومة في مسألة توقيف الضباط الأربعة المشتبه بضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. في حين ان الأكثرية ستصرّ من جديد على فتح ملف سلاح "حزب الله"، وستصرّ السعودية ومصر على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية ما يؤشر في هذه الحالة إلى مرحلة جديدة من التصعيد السياسي، التي تتوازى مع السعي لإفشال الاجتماع الوزاري العربي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.