تبدأ هذا الأسبوع في الأمم المتحدة مشاورات أساسية حول موضوع البدء الفعلي لعمل المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لا سيما ما يتصل منها بفكرة مطروحة للنقاش وهي ان يتسلم رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة القاضي دانيال بيلمار منصبه المرتقب كمدّع عام في المحكمة في وقت قريب.
وهذه المشاورات ستتبلور حصيلتها من خلال الجلسة الرسمية التي سيعقدها مجلس الأمن الدولي في الثامن من نيسان المقبل، أي يوم الثلاثاء من الأسبوع التالي، والمخصصة للنظر في تقرير بيلمار حول مجريات التحقيق في الجريمة والذي كان أحاله الأمين العام إلى المجلس يوم الخميس الماضي، وجرى توزيعه على الدول الـ15 الأعضاء لدرسه ووضع الملاحظات عليه تحضيراً للجلسة التي ستتخذ الموقف المناسب حياله.
وستنصب المشاورات غير الرسمية داخل الأمم المتحدة وبين مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن في الأيام الفاصلة عن الجلسة على بحث مستقبل عمل لجنة التحقيق والخيارات المتاحة أمام توقيت تسلم بيلمار مهمة المدعي العام في المحكمة، وفي ضوء ذلك، التمديد لعمل اللجنة أم لا بحيث ان إنجاز تشكيل المحكمة وانطلاقتها الحالية والإعداد للبدء الفعلي لعملها أي مرحلة المحاكمة، تحتاج إلى صياغة الإطار اللازم لتأمين وانتقال مرن لملف التحقيق من اللجنة إلى المحكمة، كما تحتاج في الوقت عينه إلى ان تكون التحقيقات قد أنجزت أو أقله شارفت على نهايتها، كما ان لمواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن آراءها.
إذ تشير أوساط ديبلوماسية بارزة إلى ان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لا تمانع في ان يستمر عمل لجنة التحقيق بالتوازي مع البدء الفعلي للمحكمة، في حين ان روسيا الاتحادية لا ترى لزوماً ان يسير عملهما بالتوازي بل بأن تستكمل اللجنة مهمتها ومن ثم تبدأ المحاكمة.
اتجاه لتمديد عمل اللجنة
وثمّة اتجاه للتمديد لعمل لجنة التحقيق، وعلى الرغم من ان مثل هذا الطلب لم يتقدم به بيلمار في تقريره، إلا انه تحدث بشكل غير مباشر عن ضرورة التجديد لها خصوصاً من خلال إشارته إلى مزيد من الوقت المطلوب لعملها وإلى الموارد البشرية والمالية التي يحتاج لها ذلك. من هنا، ان اكتمال التحقيق يبدو أساسياً ليس فقط في تحديد الموعد الزمني للمحاكمة، بل في تحديد موعد تحويل المنصب الحالي لبيلمار إلى منصب المدعي العام في المحكمة من أجل ان يكون قادراً على استصدار القرار الاتهامي ليتمكن فعلاً من القيام بعمله. لذلك، سيرد بيلمار خلال جلسة مجلس الأمن في جزئها المغلق على استفسارات المجلس والدول الأعضاء حول رؤيته لموعد انتهاء التحقيق ولتوقعه لموعد صدور القرار الاتهامي، ولمقتضيات التمديد لعمل اللجنة، وستكون إجاباته مؤثرة في أي قرار يتخذه الأمين العام لاحقاً حول بدء المحاكمة، أو حول ضرورات تجديد عمل اللجنة أم لا.
على أن التجديد للجنة إذا اعتمد هذا التوجه، فسيتم خلال جلسة أخرى لمجلس الأمن ولدى تقديم الحكومة اللبنانية طلباً خاصاً بذلك. ولن يتم في جلسة الثامن من نيسان. ولاحظت الأوساط ان أبرز العوامل الأخرى التي تشجع على تمديد عمل اللجنة هو العامل المالي أيضاً، بحيث ان أكلاف عمل اللجنة هي على عاتق موازنة الأمم المتحدة المتوافرة دائماً والتي تلتزم المنظمة بتأمينها، في حين أن تحويل استكمال التحقيق إلى المحكمة قبل المحاكمة الفعلية يحتاج إلى مصاريف سيتكبدها صندوق المحكمة الذي لا يزال يستجمع التمويل من المساهمات الدولية الطوعية.
ولاحظت الأوساط أيضاً ان تقرير بيلمار سجل تقدماً في التحقيقات وتحدث بحسم عن مجريات مهمة منه، وأكد العديد من العناصر التي كانت سجلتها التقارير السابقة، إنما تجنب الدخول في التفاصيل. وقد طبع بيلمار التقرير بطابع خاص يميزه في أسلوبه عن سلفيه سيرج براميرتس وديتلف ميليس.
ومرد عدم دخوله في التفاصيل يعود إلى أنه كان ولا يزال منكباً على دراسة ملفات التحقيق منذ تولية رئاسة اللجنة في بداية كانون الثاني الماضي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التقرير شكل بمثابة خطة عمل للمرحلة المقبلة، وليس سيلاً من المعلومات الجديدة التي تحوي المفاجآت والأسماء.
فالتقرير تحدث بصورة غير مباشرة عن تمديد عمل لجنة التحقيق، كما سجل وأكد الترابط بين جريمة الحريري والجرائم الأخرى، وهذا يفيد في توسيع المحاكمة لتشمل كل الجرائم الأخرى، من خلال محكمة جريمة الحريري، كما تناول التقرير سبل التعامل بين اللجنة والمحكمة والترابط في ما بينهما من خلال صلاحيات كل هيئة منهما.
استكمال مسارها لن يتأثر بالداخل
وأفادت الأوساط ان احد معايير البدء الفعلي لعمل المحكمة هي ان تكون التحقيقات وصلت إلى اكتمال ملفها، وانتظار اكتماله يتوازى وانتظار اكتمال العناصر التي تحتاج لها المحكمة لبدء جلسات المحاكمة. وأهم هذه العناصر وضع النظام الإداري والقضائي للمحكمة، وإنشاء سجلات المحكمة، وتجهيز المبنى، وتوظيف العنصر البشري اللازم لعملها، وفي ضوء هذا التوازي، سيجري تقييم لتطور الإجراءات في وقت لاحق وباستمرار لتحديد البدء الفعلي لعمل المحكمة، وبدء انتقال ملفات التحقيق إلى المحكمة. لذلك ان تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تحدث في تقريره الثاني حول مجريات الـ1757 عن ان بدء عمل المحكمة سيتم على مراحل، وآخر هذه المراحل هو بداية المحاكمة الفعلية. وكل مرحلة تسبق ذلك تُعد محطة من محطات بدء عملها.
وفي كل الأحوال، لن يتأثر مسار عمل المحكمة بتطور الموقف في لبنان أياً تكن الظروف، وهو سيستكمل حتى النهاية. لكن لا يستبعد ان تكون لإقامة المحكمة ولبدء جلسات المحاكمة انعكاسات على الساحة اللبنانية بسبب التعقيدات المعروفة، لكن في الأفق الأوسع مدى، فإن وجود المحكمة سيغير في الكثير من المواقف والمواقع، وهذا ما يصبّ في خانة مستقبل لبنان المستقر والزاهر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.