تنطوي إعادة تأكيد القمة العربية على المبادرة العربية للحل في لبنان على دلائل ومؤشرات ستسير تطورات الموقف الداخلي على وقعها.
ومن بين هذه الدلائل، إطالة أمد السعي للحل في إطار المبادرة، وإعطاء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وقته لتفعيل المبادرة مجدداً وانتظار النتائج. وهو لهذه الغاية سيعد خطة لتحركه وآلية محددة يمكن الارتكاز عليها في اتصالاته لتنفيذ المبادرة. ويرتقب أن يبدأ تحركه ببيروت مطلع الأسبوع الحالي، على أن يزور الدول العربية التي لم تتمثل في القمة على مستوى القادة، لإطلاعها على أجواء المواقف التي سادت أعمال القمة ومقرراتها وتلك المحيطة بالدولة المضيفة لها، والتي سترأسها على مدى سنة.
ما يعني، استناداً الى أوساط ديبلوماسية غربية بارزة، أن على الأطراف اللبنانية القبول والتسليم بأن فرصة جديدة أعطيت للمبادرة العربية، وأن الاتجاه لدى العرب لمرحلة ما بعد القمة هو لعدم البحث عن حلول أخرى، ولترك المبادرة تعمل بدفع جديد، وزخم يتم التوافق حوله. على الرغم من أنه قد يكون لدى أفرقاء محاولات لتغيير أي "ستاتيكو" ترسيه المبادرة بحكم المشاورات الموسّعة التي تتطلّبها، وانطلاقاً من التهدئة المطلوبة لانضباط الوضع اللبناني الداخلي.
وبدا لافتاً بالنسبة الى المصادر، استئناف السعي العربي للحل في إطار المبادرة، على أساس أن لا حل آخر مطروح في الأفق، علماً أن ذلك لن يعني أن أي تحرك آخر لدعم المبادرة، أو أي أفكار قد تستنبط لهذا الهدف لن تطلق من أي جهة دولية. إلا أنه من الواضح أن عدم الإقرار العربي بفشل المبادرة رسمياً، وإعطائها مزيداً من الوقت لتجربة حظوظها مجدداً، يعني السعي لإبعاد خيار أي شكل من أشكال التدويل الإضافي للملف اللبناني، في الوقت الحاضر. وقد تكوّن هذا الموقف بعد مشاورات مكثّفة مع أكثر من طرف دولي فاعل، إذ لا تزال الجامعة ترى أن التدويل سيحصد عقوبات إضافية على سوريا، التي سعت لإخراج إيجابي لموقفها حيال الملف اللبناني قبل القمة، بغية الاستفادة منه دولياً لتليين الضغوط التي تمارس ضدها. إلا أن عدم المشاركة اللبنانية، وخفض مستوى المشاركة العربية الأساسية والمحورية لم يساعدها في ذلك، الأمر الذي أدى الى استيائها. وبالتالي، يساهم عدم الإعلان العربي لفشل المبادرة وإعادة التمسك بها حلاً للبنان، في تجنيب الموقف الداخلي تحديات خطرة، كانت ستمارس في وجه التدويل، تماماً كما لو تم الانتخاب بالنصف زائداً واحداً أي بالأكثرية المطلقة. وأطيل عمر المبادرة بغية الابتعاد مرحلياً عن التدويل، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من اللبنانيين لا يريده، وكذلك العرب وسوريا أيضاً بالطبع.
ولا تستبعد المصادر أن يصب العمل بإعادة تفعيل المبادرة العربية في خانة "الستاتيكو" أو "المراوحة المضبوطة" سياسياً وأمنياً بين اللبنانيين، من دون أن يعني ذلك بالضرورة منع استئناف عمليات الاغتيال أو الهزات الإرهابية التي قد تتخذ أشكالاً جديدة. وستكون المراوحة "مضبوطة" بين اللبنانيين الذين لا أحد منهم يريد العودة الى الحرب، لكن عوامل انضباطها ستتأثر أيضاً بالانضباط الذي يحكم العلاقات الإقليمية ـ الدولية.
3 أنواع من المحاولات
وفي المرحلة المقبلة، وفي ضوء "الستاتيكو" المنتظر هناك ثلاثة أنواع من المحاولات السياسية الداخلية بدأت تظهر منذ الآن. الأولى: تلك التي تسعى للاستفادة من "الستاتيكو"، والثانية، تلك التي تُشغّل نفسها في الهواء ليس إلا، والثالثة، تلك التي ليس لديها أي تصور للأفق أمامها وما تؤديه في الواقع لا يندرج في أي بُعد أوسع.
وعلى الرغم من أهمية إعادة تزخيم المصادر، لا تُسقط من حسابها أن تستمر الدول المعرقلة في مسلكها، وأن تعتبر هذه الخطوة مجالاً جديداً من أجل كسب مزيد من الوقت وصولاً حتى انتخابات أميركية رئاسية وحكم جديد يلزمه أيضاً نحو 8 أشهر للعودة الى الاهتمام المباشر بأوضاع المنطقة، وبالتالي ستكون خارطة الوضع اللبناني في المرحلة المقبلة خاضعة للتهدئة الممسوكة أمنياً ضد الحرب الأهلية.
ويتزامن ذلك مع تعزيز لدور الحكومة وصلاحياتها، لكن في إطار التوافق غير المعلن على الحلول الوسط التي ستقوم بها في إطار صلاحياتها، بحيث تدرس جيداً مفاعيل أي قرار يتخذ على الوضع الداخلي خصوصاً، ومدى انعكاسه على مستوى ردة الفعل التي قد تلجأ إليها المعارضة. كما أن عدد الجلسات النيابية التي تخصص لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية قد تفوق أرقاماً قياسية في انتظار أن تصبح الأجواء الإقليمية ـ الدولية مهيأة أكثر لانتخاب الرئيس. وتبعاً لذلك، إن كل تحرك مرتقب على المستوى الخارجي ـ في ظل تدعيم المبادرة العربية ـ لن يخرج عن سياق ردات الفعل الى الفعل الحقيقي.
لكن لا بد لهذا "الستاتيكو" من أن يتأثر بمستجدات متعلقة بأمرين هما: ما قد يحصل على المستوى الإسرائيلي تجاه "حزب الله" وسوريا في المرحلة المقبلة، ولبنان مجال مفتوح أمام الأجواء الإقليمية الملبّدة، ولا سيما أن القمة العربية في الأساس كانت تؤدي دور صمام الأمان في تماسك العرب ووحدة كلمتهم وصفهم تجاه القضايا الشائكة، إلا أنه إذا ما شعر الأفرقاء الدوليون وإسرائيل، والعرب أيضاً أن القمة الأخيرة لم تكن ناجحة في توفير التضامن العربي فإن إثبات الوجود الإسرائيلي سيتوسع الى مزيد من المحاولات العسكرية والأمنية.
والأمر الثاني، هو بدء عمل المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فعلياً خلال الشهرين المقبلين. وهو أمر أساسي سيؤثر حتماً على إعادة التموضع السياسي داخل لبنان ولدى أفرقاء إقليميين، لا سيما عند صدور القرار الاتهامي وكشف المحكمة لأسماء المتهمين، الذي سيكون له وقعه على تطور الموقف في لبنان، من دون إغفال ما قد تتعرض له البلاد من ضغوط أمنية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.