بات كل الفرقاء اللبنانيين واللاعبين الإقليميين والدوليين، على يقين تام وكامل بأن أي تطوّر في اتجاه الحل لموضوع رئاسة الجمهورية لن يحصل قبل القمّة، وبدأت الاهتمامات تتجه إلى معالم مرحلة ما بعد القمة، التي لا بد لتظهيرها من تضافر مجموعة عناصر وردود فعل، من دون أن تسقط من الحسبان الأجواء الملبّدة حول ما يمكن أن تقوم به إسرائيل في المنطقة.
وتقول مصادر ديبلوماسية بارزة معتمدة في عاصمة كبيرة، إن المعطيات المتوافرة تؤشر إلى أن الأزمة اللبنانية ستطول زمنياً، وإذا كان الأمل بأن تشكل مناسبة انعقاد القمّة العربية في دمشق في 29 و30 الجاري فرصة للحل، قد فُقد تماماً، فإن الجهود العربية والدولية ستستمر لايجاد الحل، بالتزامن مع وجوب تنبه الفرقاء المعنيين في لبنان إلى الأساليب التي قد تعتمدها معهم بعض الجهات بغية دفعهم إلى إشعال حرب إسرائيلية جديدة، على حساب مصلحة اللبنانيين، ويكون إطفاؤها لاحقاً على حساب حياة أبناء الوطن ومستقبلهم ومصيرهم.
معالم مرحلة ما بعد القمّة
وفي إطار استمرار المساعي في مرحلة ما بعد القمّة، فإن هناك خيارات كثيرة ومتنوعة. لأن مرور القمّة من دون حل في لبنان ستستتبعه ردة فعل دولية، لكنها لا تزال حتى الآن غامضة بالنسبة إلى الشكل الذي ستتخذه ناهيك عن المضمون.
فهناك الكلام الفرنسي على الاستعدادات لطرح مبادرة جديدة حول لبنان، غير أن المصادر ترى في الواقع، أن باريس لن تقدم مبادرة جديدة خصوصاً على طريقة المبادرة السابقة التي عملت لإنجاحها قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق اميل لحود. إنما إذا كان هناك من تفاهم دولي حول تحرك محدد مدعوم أميركياً حتى النهاية، ستقوم فرنسا بوضع كل ثقلها لإنجاحه. وابتعاد فرنسا عن الاتجاه لطرح مبادرة جديدة يعود إلى أن مثل هذا المسعى مشروط لدى باريس بتوفير كافة الضمانات لإنجاحه، والمقومات التي تجعل الفرقاء الداخليين يبادرون لدرسه بجدية ومن ثم تنفيذه.
ولا يخفى على المطّلعين أن باريس أبدت انزعاجاً شديداً من فشل مبادرتها حول لبنان، ولن تقوم بأخرى مرة جديدة ما لم تدرس فعلاً العوامل التي تجعلها، وتجعل معها كافة الفرقاء متلقيّ المبادرة يتأكدون من أن لدى الفرنسيين عوامل وعناصر ضغط على دمشق، لم تكن متوفرة عندما فشلت محاولتهم السابقة.
أما بالنسبة إلى المؤتمر الدولي حول لبنان، فتفيد المصادر، أن الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لمراقبة تطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن، طرح فكرة انعقاده خلال جولته الأخيرة في المنطقة للإعداد لتقريره حول مجريات تنفيذ القرار الذي سيحيله الأمين العام بان كي مون على مجلس الأمن الدولي في 20 أو 21 نيسان المقبل. وطرح لارسن لهذه الفكرة يستند إلى كون القرار 1559 معني بإجراء انتخابات رئاسية حرّة ونزيهة في لبنان، وهي فكرة من بين العديد من الأفكار الدولية المطروحة بعد انتهاء القمّة العربية. وفكرة المؤتمر الدولي لم تتبلور بعد بتفاصيلها كافة، وإن كانت راهناً محور بحث بين لارسن وكل من واشنطن وباريس، وتأتي لتركز على أن تجتمع الدول ذاتها التي شاركت في مؤتمر "باريس 3" لدعم الاقتصاد اللبناني، على مستوى وزراء الخارجية، لاتخاذ موقف دولي حول لبنان. ويُبحث حالياً بين عواصم القرار مدى جدوى هذه الفكرة، ومستوى الضغط المطلوب لإنجاحها على الأرض. وبالتالي، لن يكون تطبيق الفكرة سريعاً في انتظار مناقشتها، لأن الدول لا تريد أن يصدر عنها بيان يضاف إلى سلسلة مواقف دولية حول لبنان من دون أن يكون التحرّك ذا فاعلية.
ولا ترتبط فكرة المؤتمر الدولي المطروحة حول لبنان بأي تحرك محتمل عبر مجلس الأمن الدولي، وهي منفصلة عن أي خيار في هذا الصدد.
وهناك عناصر عدة ستساهم بالاتجاه الذي سينحو إليه التحرك الدولي، أبرزها، الوضع على الأرض في لبنان، والمواقف العربية، وتقرير لارسن حول الـ1559 خصوصاً إذا ما كان سيتضمن تقويماً سلبياً أو لهجة شديدة حول الموقف في لبنان يستدعي ردة فعل دولية على المستوى نفسه، كل هذه العوامل، فضلاً عن عوامل أخرى قد تؤخذ في الاعتبار، أو قد تستجد، يمكن أن تساهم في تكوين ردة الفعل الدولية وتحديد معالمها.
المجلس يبتعد عن تكريس اللغة الضعيفة
وفي هذا السياق، يأتي التوجه الجديد في مجلس الأمن حيال التعامل مع الأزمة اللبنانية، والعناصر التي تتضمنها القرارات الدولية المتصلة بلبنان، خصوصاً القراران 1559 و1701، بحيث أن هناك تفضيل لعدم استصدار ردة فعل أو بيان رئاسي أو حتى قرار جديد، إلا إذا كانت هناك إجراءات جديدة ستطبق من خلاله، وفي ذلك يتجنب المجلس حصول معركة ديبلوماسية تفضي في النتيجة إلى بيان رئاسي بلهجة أقل حدة من اللهجة التي كانت تعتمد في السابق، ويتلافى بذلك تكريس لغة ضعيفة حول قضايا لبنان يجرى اعتمادها، وتصبح متعارف عليها في السقف السياسي حيال التعامل مع المشاكل المطروحة للمعالجة في لبنان.
ويهدف المجلس، من جرّاء توجهه هذا، إلى الحفاظ على اللغة القوية والموقف الحازم الذي ترسله البيانات أو القرارات الدولية وليس أن يتم استصدار بيان أو قرار فقط لمجرد الاستصدار إذا كان يتسم بلهجة ضعيفة ولا تؤدي إلي معنى هادف.
فلا تكريس للضعف، وإنما اتجاه لأن تعكس البيانات المستوى ذاته من القوة الذي تميزت به مواقف المجلس السابقة، وإلا فلن تكون.
ولا تمانع موسكو السير في هذه الفكرة مع كل من واشنطن وباريس. وكان التحرك الروسي في اتجاه دمشق قبل أيام قليلة لافتاً في توقيته قبل القمّة وفي مغزاه. فعلى الرغم من أن جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المنطقة هي بهدف متابعة العمل لاستضافة روسيا المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة، إلا أنه أضاف إلى هذا الهدف في دمشق بنداً حول الحل في لبنان قبل القمّة. إذ أنه للمرة الأولى تطالب موسكو بدور سوري ايجابي في الحل اللبناني، وكأن دورها الحالي استناداً إلى المصادر، غير ايجابي، وهو موقف أكثر وضوحاً من المواقف الروسية السابقة. وتقصد موسكو بالدور الايجابي، ألا تؤثر دمشق على اتخاذ الفرقاء في لبنان قرارهم لانتخاب الرئيس مطلقاً، وأن المواضيع الداخلية اللبنانية يجب بتها في الداخل. وتقصد موسكو بالتالي، بالدور غير الايجابي، التدخل لعدم توصل اللبنانيين إلى اتفاق وتفاهم. والدور الايجابي يكمن في حضهم على الاتفاق وعلى عدم التجاوب مع أي ضغوط لمنع التفاهم. وتفضل موسكو أن تطلق على تحركها صفة "المساعي الحميدة" مع سوريا، علماً أنه لا يمكن التكهن بما إذا كانت النتائج حميدة بالفعل.
وتتطلع المصادر، إلى مستوى التمثيل الذي ستسجله القمّة، على اعتبار أن هذا الأمر هو مؤشر حول إمكانات الحل للبنان قبل القمّة، أو حتى بعدها بقليل إذا ما جرى تفاهم على هامشها بين قادة بارزين ودمشق. وبالتالي، إن عدم حضور قادة بارزين سيؤكد أن المجال لا يزال مقفلاً ليس فقط قبل القمّة، بل أيضاً بعدها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.