8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن اعتبرت أن المبادرتين العربية والفرنسية ستفشلان لأنهما دخلتا في التفاصيل الرهان الإقليمي على الإدارة الأميركية الجديدة دونه صعوبات أبرزها الأولويات الإسرائيلية

بدا لافتاً لدى أكثر من مرجع ديبلوماسي غربي، كيف أن المعارضة ومن يقف وراءها من الدول الإقليمية (سوريا وإيران)، تراهن على الإدارة الأميركية الجديدة وأن تنفتح أبواب الحوار بينها وبين واشنطن بعد تسلم الرئيس الأميركي الذي سيُنتخب في الرابع من تشرين الثاني المقبل السلطة في الأول من كانون الثاني 2009.
ذلك أن الرهان السوري والإيراني في حدّ ذاته يستدعي التوقف عنده، خصوصاً في ظل تحالف البلدين المعلن في وجه النفوذ الأميركي في المنطقة، من جهة، ورفضهما كل المبادرات الفرنسية والأوروبية والعربية لحل الأزمة الرئاسية في لبنان، لانهما لن يعطيا الموافقة إلا للأميركي مباشرة، وعندما يحين الأوان.
أما في موضوع الرهان في حدّ ذاته، فهو لا يزال غامض النتائج، والتوجهات الحقيقية للإدارة الجديدة، لا تزال غير معروفة وسيتم وضعها خلال الأشهر السبعة الأولى من تسلم الرئيس الجديد الحكم. واستناداً، إلى المراجع الديبلوماسية فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة قلما تعدل أو تغير في استراتيجيتها، وإن تغيّر الأسلوب قليلاً أو طرأت تعديلات طفيفة في النهج أو في مقاربة الملفات.
إسرائيل أولاً في سياسة واشنطن
وما تؤشر إليه عناصر عدة، في الحملة الانتخابية الشاملة في الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، هو الاتجاه لتثبيت ما حققه الرئيس جورج بوش، وإكماله، خصوصاً إذا ما فاز المرشح الجمهوري جون ماكين، وهو أول مرشح للرئاسة يزور إسرائيل قبل فوزه أو خسارته أي أثناء الحملة الانتخابية، في رسالة واضحة منه حول استعداداته للسير حتى النهاية في حماية المصالح الإسرائيلية، الأمر، الذي يحمل في طيّاته رسالة أخرى إلى العرب وإيران حول أن إسرائيل أولاً ومن ثم الآخرون في المنطقة، وتكتسب هذه الزيارة أبعاداً مهمة، خصوصاً وأن ماكين هو الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات، لا سيما بعد حملات المزايدة التي يقودها مرشّحا الحزب الديموقراطي حيال ترشيح كل منهما، وحيال البرنامج الذي يحمله كل منهما، ما يستدعي من كل الأطراف في المنطقة أخذ هذه المعطيات في الاعتبار والتنبّه لدى تقويم السياسات الدولية.
وما يقتضي الانتباه إليه أيضاً، هو أن القيادات اللبنانية باتت تدرك جيداً عمق العمل الداخلي في الولايات المتحدة في صياغة القرارات حول لبنان، وحول الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية.
وهناك مواكبة حثيثة منذ الآن للمرحلة الانتقالية في الإدارة، وللمرحلة الجديدة من الحكم، حيث هناك تعبير عن وجهات النظر حول مستقبل لبنان ووجوده، والمقوّمات التي بني عليها هذا البلد، في إطار مناقشة الوضع وتبادل الأفكار والتشاور حول ذلك.
وبالتالي، تواكب الولايات المتحدة عن كثب مرحلة الجلسة النيابية المحدّدة في 25 آذار الجاري، وما يمكن أن تؤدي إليه القمّة العربية في دمشق، بعدما قدّم العرب موقفهم الإيجابي إلى سوريا بحضور القمة وعدم اللجوء إلى تغيير مكانها أو موعدها، وإن كان مستوى هذا الحضور مرتبط بصورة أساسية بانتخاب الرئيس طبقاً للمبادرة العربية، وهذا ما يظهر، بحسب المراجع، ما إذا كان إطالة العرب لأمد المبادرة، سيشكل أداة حقيقية قبل القمة لحصول الانتخاب، أم أنه سيجسد مسألة أن ليس لديهم عناصر لحل آخر مرجو، إذا ما استمرت دمشق في تصلبها، مع الإشارة إلى علامات الاستفهام حول ما حققه اجتماع مجلس التعاون الخليجي لخلق محور ضاغط، في ظل خوف بعض الدول الخليجية من التهديدات التي يشكلها الملف الإيراني، وضرورات الحفاظ على حد معقول من العلاقات مع دمشق، التي تستفيد منها لرد الضربات الإيرانية أو رد الضغوط التي قد تلجأ إليها طهران في حال حصول أي صراع بينها وبين المجتمع الدولي.
أما على المستوى الدولي، فإن المعالجة مختلفة، والأضواء مسلطة على القمة العربية وعلى السلوك السوري قبل القمة وبعدها. وتفيد المراجع بأن المعالجة ليست مرتبطة بانتظار نتائج المبادرة العربية، والتفكير ببديل، في موضوع السنة الأخيرة لبوش أو بالأحرى الأشهر الأخيرة له، بل بالمعالجة الفاعلة والمؤثرة، فالولايات المتحدة منذ الأساس، لم تكن مرتاحة إلى المبادرة الفرنسية لكنها دعمتها، وكذلك لم تكن مقتنعة بالمبادرة العربية لكنها دعمتها أيضاً. وسبب عدم ارتياحها إلى الأولى وعدم قناعتها بالثانية، هو أن الاثنتين ضاعتا في التفاصيل، ما أدى إلى فشلهما، وواشنطن لم تكن ضدهما، إنما كان لديها محاذير من التفاصيل لأن توسع النقاش حولها يحمل في طياته سلبيات تؤدي إلى إفشال الطرح.
فشل العربي غطاء للدولي
لكن واشنطن ومعها المجتمع الدولي، يفضلان نجاح المسعى العربي، قبل اللجوء إلى مسعى دولي حول الأزمة اللبنانية، وأي فشل للمسعى العربي يكون بمثابة غطاء للمسعى الدولي، ويقود إليه حتماً، لأن عدم نجاح المحاولة العربية سيؤدي إلى رفع مستوى الطرح للحل، إلى المستوى الدولي، ويكون العربي بمثابة المقدِّمة للحل الدولي، والوقت لا يزال متاحاً لانتظار ما ستؤول إليه المبادرة العربية.
كذلك فإن السبب الكامن وراء القلق الأميركي من المبادرتين حول لبنان، هو التفضيل لو ركزتا على انتخاب الرئيس فقط، لأن في انتخابه تخفيفاً لحدة المناورة السياسية الداخلية والاقليمية الأبعاد، ما يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة، إذا عرقلتها الأقلية والمعارضة، تتمكن عند ذلك الأكثرية النيابية ومن خلال الاستشارات الملزمة لرئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة من فرض حكومة، وعدم جعل مسألة تشكيلها مكبلة من خلال السعي إلى الاتفاق المسبق على تكوينها، وهذه النقطة بالذات عملت عليها المعارضة من خلال بند الحكومة في المبادرتين الفرنسية والعربية، ما أدى إلى اللعب على التناقضات والمواقف، وعرقل الانتخاب والحكومة معاً.
مع العلم أن موقف الأكثرية دستوري، لكن عملياً سعت إلى الحفاظ على وحدة البلاد والاستقرار والمؤسسات، في حين أن موقف المعارضة لم يكن دستورياً.
وهناك استحقاقات دولية كبيرة في المرحلة المقبلة، أبرزها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي كون حول مجريات القرار 1559 منتصف نيسان المقبل، وقمة "مجموعة الثماني" في حزيران المقبل والتي ستضع استراتيجية تحركها على مدى سنة، مع الإشارة إلى أن قمتها في طوكيو في العام 2004 وضعت الركيزة الأساسية للقرار 1559، ثم في أول تموز تسلم فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، وكذلك تقييم الموقف من إيران دولياً بعد ثلاثة أشهر وانعكاس ذلك على لبنان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00