8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مغزاها في الأسلوب والمضمون والأصول مدار تقويم ديبلوماسي وسياسي

تنتظر الدعوة التي وجهت إلى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة للمشاركة في القمة العربية التي ستنعقد في دمشق في 29 و30 آذار الجاري، عودته من دكار لطرحها أمام المجلس لدرسها واتخاذ الموقف المناسب حيالها.
ولا بد من ان تتفاعل مجموعة عناصر وعوامل داخلية وخارجية معاً لتبلور الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية من الدعوة التي كانت محور تقييم على أكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي لبناني وعربي ودولي، ان بالنسبة إلى مطابقتها للأصول، أو بالنسبة إلى المضمون والتعابير الواردة فيها، أو بالنسبة إلى الشكل الذي تم من خلاله تسليم هذه الدعوة.
وتفيد مصادر ديبلوماسية بارزة ان دراسة الدعوة والطريقة المناسبة للتعامل معها، ستتأثر حتماً بالمعادلة والمعايير ذاتها التي قامت على أساسها الدعوة، خصوصاً عندما أعلنت مصادر الخارجية السورية ان الدعوة ستتم بالطريقة والتوقيت المناسبين. وهو ما حصل فعلاً، إذ اختارت دمشق الطريقة الملائمة لها عبر إرسال وفد ديبلوماسي من وزارة الخارجية سلّم الدعوة إلى وزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ. واختارت التوقيت المناسب لها، وهو وجود الرئيس السنيورة في الخارج لتمثيل لبنان في القمة الاسلامية في السنغال.
وفي المغزى الذي حملته الدعوة لناحية المضمون والشكل، أمكن للمصادر التوقف عند النقاط الآتية:
ـ أولاً: ان الدعوة وجهت إلى "دولة السيد فؤاد السنيورة المحترم رئيس الحكومة في الجمهورية اللبنانية" كما جاء في نصها.
وهذا جيد بالنسبة إلى التعامل الفعلي مع الرئيس السنيورة الذي هو رئيس الحكومة الشرعية والدستورية التي انتقلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية المعني بالدعوة إلى القمة العربية. لكن توجيه الدعوة إلى رئيس البلاد أو من يقوم بصلاحياته يستلزم بحسب الأصول الديبلوماسية، ان يتسلمها من وزير يكون موفداً رئاسياً مهمته تسليم الدعوة مباشرة إلى رئيس الجمهورية أو من يقوم بصلاحياته، حتى ان تسليم أي دعوة من هذا النوع إلى وزير لبناني يجب ان يتم عبر وزير كموفد رئاسي، أو معاونه في أقل حد.
الأسد تجنب توجيه الدعوة
ـ ان الدعوة إلى السنيورة وُجهت من نظيره السوري محمد ناجي العطري وموقّعة منه، وليس من الرئيس السوري بشار الأسد الذي سيرأس القمة والمولج بتوجيه الدعوات إلى القادة والرؤساء والملوك العرب. وهو ما استوقف الدوائر العديدة المختصة لابتعادها في هذه النقطة عن الأصول ولما حملته من خلفيات تلافى من خلالها الأسد ان يوجه دعوة مباشرة للسنيورة للمشاركة في القمة وآثر ان يوجهها إليه نظيره رئيس الوزراء كما لو ان هناك لقاءات ثنائية على مستوى رئيسي حكومتي البلدين، أو لقاءات اللجان المشتركة التي تعقد بين الدول برئاسة رئيسي حكومتي البلدين المعنيين، ما يعني محاولة للابتعاد عن أي مؤشر يجعل الحكومة اللبنانية وأركانها ومن وراءها يفسرون الأمر بأن دمشق تتعامل مع السنيورة كرئيس للبلاد أو ان حكومته تحمل صلاحيات رئيس الدولة، عدا ان توجيه رئيس حكومة الدولة المضيفة للقمة ولرئاستها لمدة سنة جديدة، الدعوة، يشكل سابقة في طريقة توجيه الدعوات إلى القمم.
ـ ان كل هذا العمل السوري الدؤوب لدوزنة الدعوة شكلاً ومضموناً وأسلوباً، يأتي من أجل مسألة تجنب الاعتراف بالحكومة وبصلاحياتها، إلا انه وفي القانون الدولي، فإن مسألة الاعتراف تتناول الدول أو استقلال الدول ولا تتناول الحكومات. وفي ما خص الحكومات في هذا المضمار، فإن القوانين الداخلية والدساتير حددت العلاقة بين المواطن وحكومته وبين الظروف الداخلية والاعتراف الداخلي بالحكومات. وبالتالي ان الأمر يعود إلى موضوع داخلي سياسي، وقد يعود أيضاً إلى موقف للأسرة الدولية من أي حكومة في أي بلد، وليس من دولة إلى حكومة في دولة أخرى.
تخفيف الإحراج أمام المعارضة
ـ ان تسليم هذه الدعوة إلى الوزير المستقيل فوزي صلوخ يصب في خانة التخفيف من أي احراج قد تواجهه دمشق أمام المعارضة اللبنانية، فاختارت توقيت غياب السنيورة عن لبنان لكي لا تسلم إليه وعبر موفد وزاري بحسب ما تقتضيه الأصول، كما اختارت صلوخ لكي لا تُحرج أمام المعارضة بالنسبة إلى الإقرار بشرعية الحكومة، وحيث من الواضح أمام المجتمعين العربي والدولي خلفيات المقاطعة الحكومية من جانب المعارضة، والوسائل التعطيلية التي تعتمدها للحد من قدرات الحكومة على التحرك.
ـ ان الوفد السوري الذي سلّم الدعوة إلى لبنان لم يكن على مستوى وزير بصفته موفداً رئاسياً على غرار الأصول في توجيه الدعوة للقمة، وهو ما اعتمدته دمشق في توجيه الدعوة إلى معظم الدول العربية. فأظهر ذلك الخلفية التي يتبعها العقل السوري في تعامله مع لبنان تحديداً كبلد، ومع مؤسساته الدستورية، وحيال مسائل استقلاله وسيادته.
ـ ان الدعوة لرئيس مجلس الوزراء والتي انتظرت مرور موعد الجلسة النيابية التي كانت مقررة في 11 الجاري لانتخاب رئيس، تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت دمشق حسمت أمرها ولن تقوم بمفاجأة لتسهيل الانتخابات الرئاسية قبل القمة على الرغم من كل الاتصالات والمساعي العربية والدولية في هذا الاتجاه. وبالتالي هل يفهم من توجيه الدعوة إلي رئيس الوزراء بأنه لن يكون هناك رئيس للجمهورية في هذه المرحلة؟.
ـ ان المصادر تعتبر ان توجيه الدعوة قد تأخر كثيراً، وكان يجب بحسب الأصول، ان توجه قبل أسابيع قليلة. ولاحظت ان لبنان هو آخر دولة عربية تسلمت الدعوة.
وطرحت المصادر تساؤلات حيال طريقة تنفيذ مضمون الدعوة حين جاء فيها: "بعد أطيب التحيات، يُعقد في دمشق في تاريخ.... مؤتمر القمة العربية في دورته العشرين، ويكتسب المؤتمر أهمية خاصة نظراً للظروف الحالية. وإن سوريا رغبة منها في تعزيز أجواء التضامن العربي الحقيقي.. تدعوكم لتمثيل الجمهورية اللبنانية في المؤتمر"، فكيف يمكن بلورة أجواء التضامن الحقيقي بين لبنان وسوريا في إطار التضامن العربي المنشود في ظل كل هذه الخلفيات؟.
وكشفت المصادر انه فور تسلم لبنان الدعوة، نشطت المشاورات العربية واللبنانية ـ العربية ولا سيما على هامش أعمال قمة السنغال، لصياغة أفكار حول التعامل اللبناني الرسمي مع الدعوة.
وسيكون أي قرار تتخذه الحكومة مبنياً على تقييمها للدعوة ولحصيلة اتصالاتها العربية في هذا الشأن ولا سيما مع الرياض والقاهرة، وللتفاهم والاتفاق حول ذلك ولتحديد الدول العربية المحورية لمستوى تمثيلها في القمة، ولمواقف الداخل التي تعبر عن القاعدة الشعبية في البلاد واتجاهات الرأي العام.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00