وسط تضاؤل احتمال اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان وفقاً للمبادرة العربية للحل، واستبعاد حصول اختراق على هذا الملف قبل القمة العربية، يدور نقاش دولي بعيدا عن الاضواء، حول ما يمكن القيام به حيال الوضع اللبناني لتأمين الظروف الملائمة لحصول الاستحقاق. وينطلق من ان الاستمرار على وتيرة عالية من الاهتمام بهذا الملف كأولوية يجب ان يبقى على معدله الكبير والا يتراجع.
وتجمع اكثر من مرجعية دولية وعربية على ان التعقيد الذي يواجه الحل يفوق كل توقع، وكلما طالت المدة الزمنية كلما استجدت عوامل اخرى تزيد التعقيد وتتداخل معه سلبا ضد مصلحة لبنان، الى ان اصبح حل المسألة غير مرتبط بالمبادرات، بل برفض كل المبادرات واقفال الباب تماماً على بحثها، وان هذا الرفض تبلوره أطراف داخلية أي المعارضة، لكي تقدّم الموضوع على انه قضية لبنانية داخلية شائكة.
منطلق الـ1559
وأي منطلق دولي ـ عربي لمقاربة الحل الأفضل ووسائله للأزمة في لبنان، لا بد انه سيدرس من جديد القرار 1559 والعناصر التي لحظها، ويجري مقارنة في سرعة التنفيذ بين هذه العناصر، وفي الظروف والضغوط التي رافقت ذلك وفي العوامل "المادية على الأرض" من وجهة النظر القانونية الموجودة ومستوياتها، والتي ساهمت في سرعة التنفيذ أو عرقلته. ومما لا شك فيه، ان الجولة التي قام بها الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، في المنطقة، ركزت في أبرز أهدافها مع قادة المنطقة على ما يمكن القيام به للحل في لبنان ونوعية الأفكار التي يجب ان تطرح ويتم العمل عليها. هذا فضلاً عن التحركات الأميركية ـ الفرنسية، ومساعي الأوروبيين، والمساعي الدولية ـ العربية الشاملة.
وقد اجمعت التقارير الديبلوماسية في هذا الشأن، على ان الأولوية في أي تحرك دولي في المرحلة المقبلة تنصب على فاعلية ما سيتم اللجوء إليه، وان القضية ليست قضية استصدار قرار جديد عن مجلس الأمن، بقدر ما هي قضية موقف صائب وفاعل ومؤثر يضمن تحقيق الحل.
وفي هذا الإطار، فان أي نوع من انواع التدويل الاضافي للحل، سيأخذ في الاعتبار بنود القرار 1559، لا سيما ما يتصل بفقرته السادسة، حيث المطالبة من كل الأطراف المعنية التعاون التام على وجه الاستعجال مع مجلس الأمن لتنفيذ القرار بالكامل. فلماذا لم يحصل هذا التعاون على وجه الاستعجال، لإنجاز "الانتخابات الرئاسية الحرة النزيهة وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي"، كما جاء في الفقرة الخامسة من القرار، مثلما حصل لدى تنفيذ الفقرة الثانية منه المتعلقة بمطالبته "جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان" وعلى غرارها؟
وفي ذلك، تفيد أوساط ديبلوماسية بارزة، انه بالنسبة إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، هناك مسببات قانونية وحسية ومادية واضحة، جعلت من وسائل الضغط الدولي لتنفيذ سوريا هذا القرار، أكبر وأشد. مع العلم ان الضغط الدولي حيال إجراء الانتخابات الرئاسية لم يتراجع يوماً، وليس ما يمنع، في المستقبل القريب، من اتخاذ خطوة دولية فاعلة لتحقيق هذا الأمر. إلا ان ما كان ضاغطاً لتنفيذ الانسحاب السوري، هو: كون القرار 1559 تحت الفصل السابع وكان يمكن ان يؤدي ذلك إلى عقوبات، بحيث ان الوجود السوري كان واقعاً في لبنان، وان المسؤولية المباشرة في هذا الموضوع تقع على دمشق، وانه لا يمكن لأي طرف إنكار هذا الوجود الذي استمر 30 عاماً، والذي يمكن من خلال الوقائع ان يقوم المجتمع الدولي باتهام واضح لسوريا بأنها لم تنفذ القرار 1559 لو لم تعمد إلى سحب قواتها نهائياً في 26 نيسان 2005. وكان ممكناً ايضاً لو لم يتم الانسحاب، من استهداف جهة معينة أي سوريا واتهامها، واستصدار قرار جديد تحت الفصل السابع بسهولة يتناول ما يجب القيام به من إجراءات أكثر ضغط عليها لتنفيذ القرار 1559. وقد أدركت دمشق انه لا يمكنها الهروب من الضغط الدولي ـ العربي حيال هذا المطلب، لا سيما في ضوء تشدّده لدى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
توضيح المسؤولية القانونية
في حين ان المسؤولية القانونية والمادية المباشرة في قضية تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية، تقع على عاتق اللبنانيين الذين لا يجتمعون، ولا يتفقون على رأي واحد في النهاية. لكن المجتمعين الدولي والعربي، يدركان تماماً ان هناك وجهاً آخر للأمر، وهو المسؤولية السياسية وغير المباشرة في عرقلة الانتخابات، لخضوعها لتدخلات إقليمية تمنع التفاهم واللقاء والاجتماعات وتوحيد وجهات النظر.
وطبيعة هذه المسؤولية أدت إلى زيادة الصعوبة في ايجاد ردة فعل دولية سريعة لالزام اللبنانيين على إجراء الانتخابات، أو حتى التفاهم على مبادرة من المبادرات التي عرضت عليهم واعتمادها من أجل تسهيل حصول الاستحقاق. وهذه الصعوبة جعلت المجتمع الدولي يسعى إلى إلقاء المسؤولية في هذه المرحلة على العرب الذين اطلقوا مبادرتهم، وابتعد المجتمع الدولي عن الملف اللبناني في جزئه الرئاسي، بعد ذلك، انتظاراً لما يمكن ان يحققه العرب في ما بينهم.
من هنا، يركز المجتمع الدولي للمرحلة اللاحقة على دراسة نوعية التحرك.
وتبعاً لذلك، تحديد الجهة أو الدولة التي سيتهمها وسيتحرك في اتجاه اللجوء إلى بنود الفصل السابع أو غيره لإجراء الانتخابات؟ وكيف سيتم تحديد معايير المسؤولية المباشرة والاتهام المباشر من أجل تبني الإجراءات اللازمة التي تكفل الحل؟ وكيف ستظهر الدلائل المادية والحسية والقانونية على المستوى الدولي لتأمين إجماع دولي شامل حيال أي خطوة تتخذ في مجلس الأمن ومن هي الجهة التي يجب ان تخاف من جراء العراقيل، من مغبة اللجوء إلى الفصل السابع لمحاسبتها في سياق تنفيذ الـ1559؟ أم ان ما يتحمل المسؤولية السياسية تتم محاسبته في السياسة، وبالأدوات ذاتها، أو المشابهة والموازية لها؟
وأكدت الأوساط، ان الخيارات مفتوحة، وان عقد القمة العربية سيبلور معطيات كثيرة، هذا إذا لم تحصل تطورات دراماتيكية عسكرية في المنطقة قبل القمة، تعيد خلط الأوراق. إلا انه على الرغم من الصعوبات ودقة وحساسية الوضع اللبناني، فان المجتمع الدولي يمكنه التحرك ولو كانت الإدارة الأميركية على أبواب تغيير رئاسي، إذ لا يزال هناك الوقت الكافي لاتخاذ مواقف فاعلة حول لبنان، بعد انتظار نتائج المبادرة العربية، حتى استنفاد كافة مقوماتها بالكامل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.