8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قلق من اتخاذ إسرائيل أي رد خارج الأرض الطبيعية حجة لعدوان جديد

لعل أخطر ما بلغته الأزمة اللبنانية هو تشعبها وامتداداتها الإقليمية والدولية، بحيث بات من الصعب على أحد ان يجزم حدود ومدى إنعكاس أي تطور خارجي عليها. هذا ما تؤكد أوساط ديبلوماسية غربية بارزة، تتخوف مما تسميه "الحروب الخفية" التي تحصل في لبنان، والمساهمون فيها العديد من الأطراف الخارجين. ما يفسر تطور الموقف على الأرض. وتبعاً لذلك، تتم ترجمة هذه الحروب عبر اللجوء إلى أمرين اثنين:
الأول: الاصطفافات المعينة السياسية التي تأخذ مداها بين الأفرقاء الداخلين، والأخرى التي هي الأساس والتي تتناول إعادة التموضع في أبعاده العربية والإقليمية، وعلاقة ذلك بمواقف المجتمع الدولي حيال القضايا المطروحة.
والثاني: الاحتكاكات في الشارع، وعلى الرغم من محدوديتها وبلوغها حافة الهاوية من دون الخروج عن السيطرة، إلا انها تهدف إلى استخراج مقومات الصمود المتبادلة، وكشف عمق القدرات.
وفي هذه المرحلة الدقيقة، لا بديل عن التزامين يعملان لانضباط الموقف الداخلي استناداً إلى الأوساط، هما دور الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، العائد إلى بيروت اليوم ـ مبدئياً، والدعم الدولي والعربي المتجدّد للحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة. ويتبين انه من الآن، وحتى حسم مسألة انعقاد القمة ومستوى المشاركة فيها، لا بديل من دور موسى، في ظل إعطاء الأكثرية لنفسها المجال لدراسة سبل استثمار المعاني السياسية التي جسّدتها مظاهرة الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وفي ظل تبادل الأدوار من جانب أقطاب المعارضة حول التجاوب مع المبادرة العربية المطروحة.
ومن أبرز الحروب الخفية التي تدور في لبنان:
ـ النزاع الأميركي ـ الإيراني حول النفوذ في المنطقة وحول الملف النووي الإيراني.
ـ النزاع الأميركي ـ السوري حول المطالب الدولية من دمشق ومستلزمات تغيير سلوكها، والمواجهة السورية والسبل المعتمدة في ذلك والتي تركز على لبنان.
ـ التناقضات العربية الداخلية، وصراع المحاور القائم وأحد خلفياته بعض العلاقات العربية ـ الإيرانية، والموقف من الحلول في لبنان وتعطيل هذه الحلول.
ـ الصراع والإشكالية على المستوى السوري ـ الإسرائيلي.
ـ الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي، والذي بدأ يطفو على الواجهة، بعد الإعلان عن اغتيال أحد قياديي "حزب الله" عماد مغنية في دمشق الأسبوع الماضي.
نصرالله عبّر عن جواب إيراني
وفي إطار هذه الحرب، أشارت الأوساط، إلى ان ما عبّر عنه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في أسبوع تأبين مغنية، هو جواب إيراني على تطور الموقف بالنسبة إلى مقتل الأخير وما يمثله. مع ان هذه القضية تبدو على جانب كبير من التعقيدات، لكن التغييرات والمستجدات التي ستظهر في المنطقة في المرحلة اللاحقة ستؤشر حتماً إلى الجهة أو الجهات التي تقف وراء اغتياله، وأهدافها من وراء ذلك. فإذا كانت إسرائيل وراء هذا الاغتيال، يعني انها نجحت في تحقيق هدف في معركتها معه، وانها تريد إرسال رسالة مفادها انها باتت جاهزة وحاضرة للقيام بضربة جديدة له، خصوصاً وأن تل أبيب ليس لديها اتجاهات للسكوت عن عدم تحقيقها نجاحاً في حرب تموز 2006.
وأوضحت الأوساط انه إذا أظهرت التطورات في المنطقة ان المكان الذي قتل فيه مغنية كان له دور في هذه العملية، فإن هناك تعديلاً ما سيطرأ على السياسة السورية والعلاقات السورية الدولية، أو الإشارات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب. والتغير في السياسة السورية ليس بالضرورة أن يظهر بين ليلة وضحاها، إنما سيأخذ ذلك وقتاً، ولن يكون تسهيل الرئاسة في لبنان، إن حصل، إلا تفصيلاً في اطار هذا التغيير.
ووسط هذه الأجواء، توقعت الأؤساط أن يختار "حزب الله" الردّ على مقتل مغنية وأسلوب هذا الرد وتوقيته بذكاء كامل ودقة، آخذاً في الاعتبار ان جمهوره لا يريد ولا يحتمل حرباً جديدة من إسرائيل، وان لا معطيات بعد في المرحلة القريبة تقول بأن كل الأفرقاء في المنطقة وصلوا إلى مأزق، يحتم حصول حرب، لأن حصولها هذه المرة قد لا ينحصر بين الحزب وإسرائيل، بل قد يتعدى هذا المدى لتكون حرباً اقليمية، تُطرح تساؤلات حينها حول مصير القرار 1701، ومصير الـ30 ألف جندي لبناني ودولي على أرض الجنوب وفي بحره وجوّه. وبالتالي أمام هذا الأمر، ثمّة توقع كبير بأن يلجأ "حزب الله" إلى اختيار أدواته للرد، واستعمال حلفائه في المنطقة، لتقوية خطة المواجهة، وجعل هؤلاء الحلفاء يقومون برد الاعتبار في موقع ما في المنطقة قد يكون عبر المتطرفين الفلسطينيين وتجاه إسرائيل نفسها.
والأكثر خطورة في المسألة هو أن يحصل احتمال موجود، وهو لجوء إسرائيل نفسها إلى استهداف تجمع يهودي ما، ذاتياً، في العالم، بحيث تكون ردّة الفعل على هذا العمل، حجّة لتوجيه ضربة جديدة إلى "حزب الله". ففي العام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان بحجّة محاولة اغتيال سفيرها في لندن، حيث اتهمت منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الاجتياح الاسرائيلي الذي أخرج المنظمة من لبنان.
حروب إسرائيل تحصل مطلع الصيف
ولفتت الأوساط إلى ان كل الحروب الإسرائيلية ضد لبنان كانت تحصل في مطلع الصيف عندما تكون المدارس قد أقفلت أبوابها، بحيث لا يتم إحراج سكان شمال إسرائيل إذا ما اضطروا لترك بيوتهم والانتقال إلى الداخل في حال حصول حرب، ففي العام 1978 لدى احتلال الجنوب حصلت الحرب بين حزيران وتموز، وكذلك لدى اجتياح العام 1982.
والأكثر خطورة أيضاً، بحسب الأوساط، هو ان أي عمل ضد اليهود خارج "الأرض الطبيعية للمعركة"، قد يُستتبع من إسرائيل رداً داخل الأرض "الطبيعية" للمعركة، ما يجعل القلق قائماً حول مستقبل الوضع اللبناني، في ظل أكثر من حرب خفية يخوضها لا تقتصر على المبادرة العربية والرئاسة، والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وتصارع النفوذ في المنطقة فحسب، إنما يشكل الدخول الإسرائيلي مجدداً وبقوة على خط التطورات في لبنان عنصراً لديه محاذيره وأبعاده.
وقمة أسئلة مهمة تطرحها الأوساط وهي إذا ما قررت إسرائيل القيام بحرب جديدة ضد "حزب الله"، فما هي طبيعة الحرب هذه المرة؟ فعندما اجتاحت إسرائيل لبنان في العام 1982، قرر ارييل شارون حينذاك إزالة النفوذ الفلسطيني من لبنان بالكامل، لكن عندما قام ايهود اولمرت في تموز العام 2006 بالعدوان، كان بهدف إبعاد الحزب عن حدود إسرائيل، فما هي طبيعة أي تطور عسكري محتمل؟ وهل ستبقى سوريا بعيدة عن استهدافاته؟ وهل استمرار بعدها يطيل الحرب بفعل توافر مصدر السلاح؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00