8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن تحيّد دمشق عن أولويات المجابهة لديها لكن لا تسلّفها أو تتحاور معها

كيف يمكن للبنان أن يتعامل مع السنة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل من نقاط محددة يقتضي التنبّه لها على مستوى العلاقات الأميركية ـ السورية، على الرغم من استمرار انعدام الحوار السياسي المباشر بين الطرفين؟
تولي مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، أهمية كبيرة إلى الطريقة التي سيواكب فيها لبنان الرسمي، التحضيرات الأميركية الداخلية للانتقال إلى حكم جديد، تُنتجه الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الرابع من تشرين الثاني المقبل، ذلك ان تعزيز أواصر التشاور السياسي والروابط بين البلدين على مختلف الصعد في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش، تحتاج إلى عمل دؤوب منذ الآن في اتجاه الدولة العظمى، وخصوصاً مع الكونغرس الأميركي، الذي يقدم مقترحاته وأحياناً الضاغطة على الإدارة، لتحقيق منحى معين دون آخر. وبالتالي من المفيد إقامة "لوبيينغ" من أجل قضايا لبنان العادلة داخل الكونغرس، وداخل الإدارة الجديدة لاحقاً، وهذا أمر طبيعي، وتستعد للقيام بتحرك مماثل دول أخرى لا تربطها بالولايات المتحدة علاقات إيجابية وطبيعية، لا بل سلبية، إلا أنها تراهن على ما قد تسعى للوصول إليه مع الإدارة الجديدة التي ستخلف إدارة بوش. ولعل المكسب الأساسي لمثل هذه الدول، هو إضاعة الوقت وتمريره حيال المطالب الدولية منها، لا سيما حول الملف اللبناني، انتظاراً لتغييرات قد يحملها معها الحكم الأميركي الجديد.
سياسة إدارة الأزمات
والمواكبة اللبنانية الرسمية للسنة الانتخابية في الولايات، ستنعكس إيجاباً على الاهتمام الذي توليه الإدارة المقبلة للقضايا اللبنانية. مع الإشارة إلى أن مرحلة الانتظار الأميركي الحالي لتطوّر مرتقب في الملف النووي الايراني في شهر أيار، فضلاً عن تداعيات السنة الانتخابية بحد ذاتها، أسًّسا لتوجّه أميركي استجد لدى الإدارة الحالية، بتفضيلها اللجوء إلى سياسة إدارة الأزمات في الشرق الأوسط، وتخفيف الخسائر في المنطقة، وتجنب أن يتعرّض حلفاؤها لاضرار أخرى من طريق الإبقاء على بؤر التوتر قائمة إذا ما كان الحل لها سيؤدي إلى نتائج معاكسة للإهداف. لكن المواكبة اللبنانية المباشرة للانتخابات الرئاسية قد لا تعني أن الحسم بالضرورة يقترب، بل ان الإدارة الجديدة، ستحتاج إلى ما يقارب الثمانية أشهر لتظهر استراتيجيتها وسياساتها الخارجية، ولاسيما ما يتصل بالعلاقة مع لبنان والمنطقة، ومن بينها سوريا.
وقد بدا لافتاً بالنسبة إلى المصادر وجود نقاط سُجلت في اطار تبادل إشارات سياسية بين واشنطن ودمشق، جاءت في مرحلة إدارة الأزمات المتبعة أميركياً، وتخفيف التصعيد والانتظار، وقد دلّ العديد من المؤشرات على أن واشنطن التي لن تقبل بإعطاء دمشق دوراً ما وفي المقايضة، خصوصاً على حساب قضايا لبنان وتطوّر مسيرته السيادية والاستقلالية، لن تقوم في الوقت نفسه بتوجيه ضربة قاتلة إلى النظام في سوريا. وتعبّر المواقف الرسمية المستجدة أميركياً حيال دمشق عن عدم ممانعة أميركية في القبول بما تقدمه من خدمات في المنطقة، وهي لا تشكل خطراً على البرنامج الأميركي للشرق الأوسط الجديد ونشر الديموقراطية. ولذلك تراجع الضغط الأميركي المباشر على دمشق وحافظت الإدارة على هذا التراجع من دون أن تقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا أو إقامة حوار سياسي معها بطريقة مباشرة. وتدلّ وقائع محددة على أن الإدارة عملت على تحييد دمشق عن أولويات المجابهة التي تقوم بها اقليمياً لكن ذلك لا يعني ان هذه السياسة أدت إلى ارتياح الرئيس السوري بشار الأسد واطمئنانه، لأنه طالما لا يوجد حوار أميركي مباشر معه، طالما أن الأمر يشكل مصدر قلق وتخوّف بالنسبة إليه. وطالما أنه لم يتلقَ ضمانات حول مستوى الاتهام السياسي الذي ستطاله محكمة جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن القلق مستمر. كذلك ان الإدارة لم تتخذ قراراً بإزالة دمشق عن القائمة الإرهابية.
والوقائع التي يجب قراءتها جيداً وتفسير ما إذا كانت مرتبطة فعلاً بانشغالات الإدارة التي لا تتصل حالياً بمجابهة سوريا، هي:
ـ عدم تناول السلوك السوري في المنطقة على الاطلاق في المواقف التي أدلى بها الرئيس بوش إن في خطابه الأخير حول "حالة الاتحاد"، أو في خطاباته التي ألقاها خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط لاسيما في خطابه في أبوظبي في 13 كانون الثاني الماضي، وتركيزه على العراق وإيران والديموقراطية في لبنان والمنطقة، وإقامة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ـ ان تقرير الموازنة والإدارة الأميركي الحديث، تناول في الفقرة المتصلة بسوريا، التوصية بإعادة النظر بخطة عمل البعثة الديبلوماسية الأميركية في دمشق، وسجل عملها الجيد على الرغم من غياب السفير، وبأن العلاقات اليومية جيدة وأنه يُسمح لها بالحملة المطلوبة في سياق مهمتها.
السلوك المطلوب الجدير بالثقة
ـ ان الإدارة سمحت لوسطاء بإبلاغ دمشق رسائل، حيث ما زالت هي ترفض الحوار المباشر معها، طبقاً لاحدى توصيات تقرير بيكر ـ هاملتون، وسُمح للفرنسيين بهذا التواصل، ولتركيا ولاسبانيا وأخيراً لالمانيا، لكن مقابل أن تبدي دمشق سلوكاً جديراً بالثقة في المطالب الدولية منها.
ـ هناك بدء قبول أميركي بإعادة إحياء السفارة في دمشق لكن بصورة غير معلنة.
ـ ان التوجيهات التي يصيغها البيت الأبيض حالياً، وتساهم فيها اقتراحات وزارة الخارجية، لا تتضمن أي فكرة جديدة حول سوريا، أي لن يكون هناك تسليف مسبق لدمشق، كما أنه لن يكون هناك تراجع، انتظاراً لما قد تبلوره السياسة لدى العهد الجديد.
ـ ان السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، في حديثه الأخير، اتهم جهات خارجية بتعطيل الحلّ في لبنان مشيراً إلى أنه لا يمكن تحديد هذه الجهات. وكان لافتاً إدانة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للعمل الإرهابي الذي أدى إلى اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء فرانسوا الحاج، على أنه عمل إرهابي، لافتة إلى أنه لا يمكن تحديد من وراءه.
ـ ان قانون محاسبة سوريا الصادر في 2003 في الولايات المتحدة وضع تدرجا للعقوبات على دمشق، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، طبق ثلاث مراحل، هي، الحظر على الاستثمارات داخل الولايات، وحجز أموال رجال في الدولة والمخابرات، وخفض مستوى التمثيل الديبلوماسي، مع ما رافقه من تشدّد في سفر السوريين إلى الولايات المتحدة، ثم منع بوش الصادرات السورية إلى واشنطن، والطيران السوري إليها، والذي لا يصل إلى هناك أصلاً، كما كانت خطابات الاتحاد التي كان يلقيها بوش حتى ما قبل الأخير تتناول دعم سوريا للإرهاب، وسماحها للإرهابيين بالعبور إلى لبنان ومن اجزاء منه إلى العراق لتخريب السلم في المنطقة. فضلاً عن مواقفه بدعم المسار السيادي والاستقلالي المعروفة والتي لا تزال قائمة.
ـ دعوة واشنطن لدمشق إلى مؤتمر السلام في انابوليس، ولو عادت لترسل نائب وزير خارجيتها فيصل المقداد رغم أنه لم يتم تسليفها في المؤتمر أكثر من الوعد ببحث مسألة الجولان لاحقاً. ولن تسلف واشنطن دمشق، ما دامت تعتبرها داعمة لجبهة الرفض لها في المنطقة، ودمشق فهمت الرسالة من جراء ضرب إسرائيل لمنشآت عسكرية لها في أيلول الماضي.
وهناك ما يجب أن يستدعي انتباه المعارضة في أن لا مشكلة لدى دمشق بالتفاهم مع واشنطن إذا ما وافقت الأخيرة، وقد يكون تفاهماً ملزماً لها ولـ"حزب الله" تحديداً، وفي مجالات عدة مستقبلاً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00