تأتي خطورة الوضع اللبناني التي يتحدث عنها اكثر من مسؤول عربي وغربي بوضوح، لتضع أمام الجميع علامات استفهام عما اذا كان هناك فعلاً تخل دولي عن لبنان، يتزامن ذلك مع ازدياد التحديات السياسية والأمنية التي تواجه، نتيجة غموض المرحلة وانعدام وجود الأفق السياسي الذي يشكل سقفاً لا يمكن تجاوزه.
وفي اعتقاد مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، ان ليس هناك من تخل دولي عن لبنان، وليس هناك، ايضاً، من صفقة على حسابه، أو حل يتم من خلاله تقديم سيادته واستقلاله ثمناً. الا ان الشعور السائد بأن هناك تخليا عنه، يعود الى ما تحمله مرحلة الانتظار الدولي لاستنفاد نتائج المبادرة العربية حتى النهاية، من مخاطر تسعى خلالها الدول الداعمة للمعارضة الى الهجمة مجدداً على لبنان لاستعادة نفوذها ودورها في شتى الأشكال. ودرء مخاطر المرحلة الحالية، هو محور اتصالات ومشاورات بين القيادات الداخلية لا سيما بين الأكثرية، ومن خلال تحركاتها مع الخارج.
لذلك تؤكد المصادر، ان الموضوع بالنسبة الى لبنان، ليس موضوع تراجع دولي عن الاهتمام بوضعه كأولوية، بقدر ما ان الأمر يعود الى جملة عوامل ينبغي ذكرها وهي:
1 ـ ان هناك انتظارا دوليا كاملا لما ستؤول اليه المبادرة العربية، ولن يكون هناك طرح اي بديل على المستوى الدولي الا لدى القناعة التامة بأن السعي للحل في اطارها استنفد وان فشلها لا سمح الله، بات واضحاً امام العرب والعالم، اما الآن لن يقوم مجلس الأمن الدولي باعطاء اشارات أو اللجوء الى تحرك ما خلال مرحلة اعادة تفعيلها، مثلها مثل التعاطي مع كافة المبادرات التي كانت تطرح في السابق ويتم التعويل على نجاحها. ذلك ان اي خطوة سيقوم بها ستكون قاسية ولا أحد يعرف نتائجها.
2 ـ ان المشاورات والمساعي الفرنسية ـ القطرية الجانبية، لاحراز المبادرة اختراقاً ما، لا تزال قائمة، وهي ستتكثف مع استئناف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لقاءاته مع القيادات اللبنانية لدى عودته المتوقعة نهاية هذا الأسبوع الى بيروت.
القرارات في مجلس الأمن غير مستحيلة
ـ ان الولايات المتحدة الأميركية دخلت سنة الاستحقاق الرئاسي، ولا بد ان الادارة الحالية منشغلة بالعمل لانجاح الحزب الجمهوري. الا ان ذلك، لا يعني ان القرارات الجديدة في مجلس الأمن مستحيلة، أو حسم العديد من الأمور الاقليمية معقد، انما اي منحى جديد قد تتخذه الادارة في مرحلة ما بعد استنفاد المبادرة العربية بالكامل، يجب ان توفر له قدرة او إلزامية التنفيذ، لا ان يبقى في اطار التهديدات، وتحميل المسؤوليات فقط، وقد أثبت اللجوء الى هذا الأسلوب وأسلوب طرح حلول غير واقعية، عدم جدواه بالنسبة الى المعرقلين للحل في لبنان، استناداً الى المصادر، الذين بدورهم استفادوا لأخذ نَفَس أطول في مسار اعادة الأمور الى الوراء في تطور الموقف عملياً.
ساركوزي وصل الى نتائج شيراك
ـ ان هناك تمايزاً بين النهج الذي اتبعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حيال لبنان، وبين النهج الذي كان اتبعه سلَفه الرئيس جاك شيراك، خصوصاً لجهة الدور "المبادِر والقيادي" لفرنسا لا سيما في مجلس الأمن وسرعة التحرك في ردة الفعل التي كان يتخذها لدى تعرض الملف اللبناني للمساس. لكن تمايز الأسلوب لا يعني تراجعاً في الاهتمام. وقد دلت المبادرة الفرنسية التي طرحت قبل المبادرة العربية للحل في لبنان كم ان لبنان يعني فرنسا، وكم ان المسار السيادي والاستقلالي يهمها، كما تهمها مقتضيات تنفيذ كافة القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان إن بالنسبة الى الاستقلال، أو الاستقرار والأمن وبسط سلطة الدولة على كافة اراضيها، أو بالنسبة الى العدالة في التعامل مع الجرائم الارهابية والاغتيالات السياسية التي حصلت والتي لم تتوقف بعد. لكن على الرغم من تمايز الأسلوب، أدرك ساركوزي النتيجة التي كان وصل اليها شيراك في المسألة اللبنانية، مع الاشارة الى التضحيات التي سعت الادارة الفرنسية الجديدة لتقديمها لانجاح مبادرتها، التي جاءت في احدى خلفياتها مراعاة لقطر حيث الاهتمام الفرنسي والأولوية لدى الادارة للاقتصاد وللعقود التجارية، ثم على خلفية وضع تحد عن امكان تنفيذها واقناع سوريا بها حيث ما لم يكن شيراك يستطيع احرازه.
حتى ان فرنسا توصلت، ولتنفيذ مبادرتها لاجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان ووفقاً لموعدها واطارها الدستوريين، الى طرح تأخير موعد انطلاقة العمل بالمحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي ربطت، استناداً الى المصادر. وفي اطار هذا الطرح، الوفاء بمساهمتها في صندوق المحكمة في وقت لاحق، لكن عندما لم تلمس تجاوباً من دمشق للسير في المبادرة، عادت وتراجعت عن هذا الطرح، وأعلنت صراحة انها حولت مساهمتها المالية المطلوبة لنشاط المحكمة. وقد تكون فرنسا طلبت من دول اخرى تجميد مساهمتها هذه، في تلك المرحلة، لكنها اوعزت لاحقاً اليها بوجوب تسديدها بعد عدم حصولها على تجاوب سوري مع مبادرتها.
ـ ان هناك اتجاه روسي متجدد لاتخاذ موقف خاص في القضايا التي تطرح في مجلس الأمن وتدافع عنها. لكن ذلك لا يعني انها ستستعمل حق النقض "الفيتو" ضدها. انما ضمانة الموقف الروسي في المجلس لم تعد سهلة ومرتبطة بالثمن السياسي الذي يمكن لروسيا ان تحصل عليه في المقابل. كما ان الضغوط المطلوبة والفاعلة على دمشق لعدم العرقلة مهمة من جانب روسيا، لكنها غير كافية، لأن الضغوط الوافية لا تتصل بروسيا بل بأفرقاء دوليين آخرين اذا ما أرادوا ذلك. فضلاً عن هذا، ان موسكو منشغلة حالياً بالانتخابات الرئاسية التي ستتم في الثاني من آذار المقبل.
ـ ان العديد من الدول الفاعلة في العالم، لا تزال مقتنعة ان القمة العربية تشكل اداة ضغط على دمشق، ويجب اعطاء هذا العنصر تأثيراته الكافية.
الأكثرية تصر على الحل خارج التدويل
ـ ان الأكثرية في لبنان ليست مقتنعة بتدويل الحل، ولم تتفق بعد في ما بينها حول ما اذا كان مطلب التدويل هو خيارها في ما اذا فشلت المبادرة العربية. لأن الأكثرية تدرك ابعاد المسألة وردود الفعل حيالها وخطورتها وهي تفضل التمسك حتى النهاية بالمبادرة العربية المطروحة كحل متوازن ومقبول، كما تعتقد ان أهمية الحل في ما يؤديه من نتيجة على الأرض، وليس في خلق ظروف لم تكن في الحسبان.
وهي تدرك، ان الأفكار التي يتم تداولها عبر القنوات الديبلوماسية حول التدويل، تتناول: اما فرض الانتخابات الرئاسية بقرار عن مجلس الأمن، او قرار عقوبات على معرقليها بغض النظر عن اشكالية تحت أي حجة، أو على من، وكيف. ثم فرض وصاية دولية على لبنان، وعلى الرغم من انشغالات الدول باستحقاقاتها، وتعديلات اساليبها في مقاربة المعالجة في لبنان، الا انها قادرة في اي وقت على استصدار قرارات في مجلس الأمن. لكن الأولوية لدى الأكثرية هو الانتخاب، والنتائج على البلاد، وليس فقط بلوغ هدف وجود القرار. لذلك تتمسك بالمبادرة العربية.
ما يعني ان هناك عوامل تستدعي من الدول التفكير جيداً بالحل المناسب، وليس هناك من تخلٍ عن لبنان، والدول تدرك جيداً تعقيدات الوضع اللبناني ودقته، وما يمكن ان تحمله مرحلة الانتظار للخروج بحل افضل يؤدي الى النتيجة الفضلى على الأرض، وليس الى حرب مثلاً. ما استدعى من قيادات الأكثرية تحركاً دولياً منسقاً ومدروساً، سيواكب برسائل على الأرض تحملها مناسبات واستحقاقات قريبة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.