تنشط الاتصالات العربية ـ العربية على أعلى مستوى لإعداد الأفكار التي يمكن أن يتبناها الاجتماع الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية بعد غدٍ الأحد، في ضوء التقرير الذي سيحيله الأمين العام عمرو موسى إليه، حول نتائج مهمته لتنفيذ المبادرة العربية للحل في لبنان.
ووسط تأكيدات ديبلوماسية عربية، أن موسى شارف على الانتهاء من وضع تقريره، وهو يتضمن سرداً مفصلاً لكافة اللقاءات والاجتماعات التي عقدها في العاصمتين اللبنانية والسورية، بحيث يؤشر للعرب إلى أجواء العرقلة والجهات المعرقلة، تمهيداً لاتخاذ الموقف المناسب حيال ذلك.
وهم باتوا أساساً على اطلاع على العراقيل وخلفياتها، لكن ما يهم الآن، هو إيجاد الطرق الملائمة للتعامل معها تأميناً لتطبيق المبادرة التي لا رجوع عنها، وحيث سيعمل اجتماع الجامعة على تثبيتها وتفعيلها مجدداً.
لذلك، تتمحور الاتصالات البعيدة عن الأضواء على السعي لإعادة ترتيب العلاقات العربية ـ العربية، أي العربية ـ السورية، بشكل يمكن معه أن تنتج عن اجتماع الجامعة خطوة متقدمة في الحل الذي ينبثق من المبادرة العربية نفسها، وهي شكلت القاعدة المتوازنة والمعقولة لهذا الحل.
والمهم في الأمر، أن لا يأتي تنفيذ الخطوة بعد وقت طويل، لأن الوقت لا يعمل لصالح الموقف في الداخل اللبناني، وإن كان يعمل في الواقع لمصلحة دمشق، في محاولتها للحفاظ على أوراق تملكها وتسعى للحصول على ثمن مقنع لها مقابل تسهيلها الحل المطروح.
كما تتركز الاتصالات على الدور الإيراني مع دمشق، والذي لا مانع لديه في انتخاب الرئيس، في حين أن سوريا لديها حسابات ومصالح ضاغطة أكثر من المحطات التي تواجهها إيران على المستوى الدولي. لذا تشير المصادر الديبلوماسية العربية إلى أنه إذا لم تتم معالجة صريحة وواضحة وحاسمة للعراقيل ومصادرها، فإن الأمل بإنقاذ العرب للبنان من المأزق الذي وصل إليه، يبدو بعيداً.
وتبقى المسألة رهن الموافقات الشكلية والدعائية على الحل، لكنها في العمق تخفي ما تخفيه من رفض لأي تسوية. لذا فإن أي اتصالات جانبية حاصلة حالياً، يمكن أن توصل إلى نتيجة قبل الاجتماع، الذي يأتي تتويجاً لنجاحها.
وإلا، فان أي خطوة إضافية تتخذ، ولو انبثقت من المبادرة نفسها وحظيت بقبول شكلي، ستُواجه عملياً بمزيد من التعثّر لدى البحث في التطبيق.
التعريب جزء من التدويل
وتتمحور الاتصالات العربية أيضاً على تكثيف الجهد مع الدول ذات الفاعلية، مثل تركيا وروسيا وإيران، لكي تعمل على خط الضغوط لإنجاح السير بالمبادرة. وفي هذا الإطار، يترابط التعريب مع التدويل. بحيث أنه عندما تقدّم كل الدول الفاعلة تقريباً جهوزيتها واندفاعها لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين وبين العرب وسوريا، وبين سوريا وإيران من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، حول الأزمة في لبنان، يعني الأمر تدويلاً فعلياً، كما يعني أن التعريب هو جزء من التدويل، أو إحدى خطواته الأولى التي تكرّس لاحقاً ولدى استنفاد المساعي، باللجوء إلى الأمم المتحدة، وإلى القرارات الدولية، وإلى ما يمكن أن يتضمنه التقرير نصف السنوي الذي سيضعه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرار 1559 في بداية نيسان المقبل.
العامل العربي ضروري لكنه غير كافٍ
وتفيد المصادر، أن العامل العربي وحده بالنسبة إلى وحدة الصف وتنقية الأجواء ضروري لحل الأزمة في لبنان، لكنه غير كافٍ، إذا لم يقترن بأجواء دولية مؤاتية، وأجواء دولية إقليمية مريحة. كما أن الشعور العربي الشامل بالخطر الذي تولد من جراء العدوان الإسرائيلي على غزّة، والقلق المستجد من دخول العامل الإسرائيلي بقوة على خط تغيير قواعد اللعبة مع لبنان أو سوريا، قد يعدّل في بعض الظروف والأجواء العربية الراهنة، لجرها إلى مقتضيات توحيد الرؤيا تحت المظلة العربية، لكن هناك عناصر في التعامل الدولي مع الملف السوري، تستفيد منها دمشق في إطالة نَفَسِها واللعب على الوقت وتأخير الاستحقاقات اللبنانية من أجل مصلحتها.
وأبرزها: التمسّك الدولي بتغيير السلوك في سوريا، ما أعطى اطمئناناً لقيادتها بأن استمرار النظام فيها حاجة إقليمية ودولية. في وقت لا يزال الرفض الدولي للتطرّف الإسلامي قائماً ولما يمكن أن تكون عليه تداعيات تسلّمه السلطة على الاستقرار الإقليمي.
وفي هذا الإطار، أيضاً، تؤكد المصادر، أن الثمن الذي تريده دمشق لتسهيل الحل في لبنان، ليس موجوداً لدى الجامعة العربية، خصوصاً في ملف المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وتقول المصادر، إن دمشق تشتكي أمام الموفدين من أن أكثر ما يشغل بالها هو تسييس المحكمة لانتزاع تنازلات سياسية منها، وهي تريد ضمانات دولية بعدم تدخل أي جهة في الأحكام التي ستصدر نتيجة المحاكمة. وفي ذلك، تعمل مصلحتها لتحقيق مكاسب في لبنان عبر تأخير الحلول أو تعطيلها، بغية قلب الأمور في وجه المعادلة الدولية ـ العربية، وتربط لبنان رهينة لتعزيز موقفها.
كما أن الثمن متصل بخلفية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وباستعادة سوريا للجولان المحتل. فهناك نفوذها في فلسطين والعراق ولبنان. لكن الاستحقاق الداهم والقضية الساخنة هي الملف اللبناني بعد فشل انتخاب رئيس جديد. وتبعاً لذلك، فإن الاتصالات العربية القائمة تتناول هذا الجانب، من استعمال دمشق للورقة اللبنانية، والعوامل التي يمكن أن تخفف من التوتر، للاستفادة منها في تنفيذ المبادرة العربية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.