لقد صحّ حتى الآن، ما كانت تتناقله أكثر من جهة دولية وعربية عبر القنوات الديبلوماسية الأسبوع الماضي، حول استبعادها ان تقوم دمشق بالضغط على حلفائها في المعارضة اللبنانية لتسهيل تنفيذ المبادرة العربية للحل، وحول شكوكها في ان تشكل عنصراً مساعداً، للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في تطبيق بنود المبادرة التي يسعى بتكليف عربي شامل لوضعها على السكة بدءاً من انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وما لم تحصل أي مستجدات خلال الأسبوع الحالي على مستوى المبادرة العربية، فإن الأنظار تتجه إلى الأحد المقبل، موعد الاجتماع الاستثنائي الآخر للجامعة، حيث سيحيل موسى تقريره النهائي حول ما آلت إليه مهمته في كل من بيروت ودمشق، حول تنفيذ المبادرة، ليترك النتائج في عهدة وزراء الخارجية العرب الذين سيتخذون الموقف اللازم. كما تتجه الأنظار، استناداً إلى مصادر ديبلوماسية عربية في القاهرة، إلى الطريقة والأسلوب التي سيعرض موسى استنتاجاته وخلاصاته في التقرير، وسط احتمالين، إما ان ينعي المبادرة بوضوح، وإما ان يتم ذلك بطريقته الديبلوماسية المعهودة. لكن أي من الأسلوبين سيفرض على الوزراء العرب نوعاً آخر من التعامل مع مصير مبادرتهم، في الدرجة الأولى كونها تمثل رغبتهم وإرادتهم.
ثم مع مصير الوضع اللبناني في حالة تعثّر المبادرة كما بات واضحاً. إلا ان مستوى السلبية هذا الذي واجهته المبادرة، وفي حال استمراره وعدم الرجوع عنه، سيحتم حصول أمرين:
الأول: ان لا قمّة عربية في سوريا، إذا لم يكن الموضوع اللبناني قد تم حله بالفعل.
والثاني: انتقال ملف التفتيش عن حل لتطورات الوضع اللبناني إلى مجلس الأمن الدولي، لاتخاذ الموقف اللازم، ان بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية، او بالنسبة إلى نتائج الاتهام العربي والدولي المباشر للجهة المعرقلة للحل في لبنان.
اتصالات لموسى
وبدأ موسى منذ لحظة عودته أمس من بيروت إلى القاهرة اتصالات عربية لا سيما مع المملكة العربية السعودية ومصر والأردن لوضعهم في صورة زيارته لدمشق ولقاءاته اللبنانية بعيد عودته منها. وأوضحت المصادر، انها تركزت تحديداً على المسائل الخلافية التي كرّسها الاجتماع اليتيم بين رئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري، والرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل، ورئيس تكتل الإصلاح والتغيير النيابي النائب ميشال عون، برعاية موسى أي التشكيلة الحكومة الجديدة وتوزيع الاعداد فيها. وقد كان لوقع "تطيير" الاجتماع الثاني الذي كان مقرراً ان يتم بعيد عودة موسى من دمشق، وقع خاص، بالنسبة إلى موسى، كون ان عودته في الأساس إلى بيروت، كانت لهدف محوري وضعه أمامه وهو القدرة على عقد هذا اللقاء، واستتباعه بلقاءات اخرى، لانه يدرك جيداً ان حصول الاجتماع خطوة ايجابية، لكنه لا يعني ان الحل قد تحقق.
وتؤكد المصادر، ان الارتباط الوثيق بين نجاح المبادرة العربية، وإنجاح العرب للقمة العربية التي ستنعقد في نهاية آذار المقبل في دمشق، ستتم بلورته وتكريسه خلال المرحلة المقبلة.
والحدّ الفاصل في ذلك، هو اجتماع الجامعة الاحد، وما ستتخذه من مقررات حول لبنان والمبادرة بعد مناقشة تقرير موسى.
إنعكاسات الضغوط تطال الساحة اللبنانية
وتكشف المصادر، ان اتصالات ومشاورات عربية ـ دولية قائمة منذ الساعات الماضية للنظر في تكثيف الضغوط على دمشق لتسهيل تنفيذ المبادرة في مرحلة ما قبل انعقاد الاجتماع الاستثنائي للجامعة. والأيام المقبلة تبدو بالغة الدقّة والحساسية على الساحة اللبنانية، كون ان أي ضغوط خارجية ستواجهها دمشق، ستكون لها إنعكاساتها على الأرض في لبنان. وان لم تتحقق ايجابية مقبولة من جراء هذه الضغوط في ما خص التعاون السوري الجدي، فان المناخ العربي مع بدء العد العكسي، للتحضير للقمة العربية، سيكون مثقلاً بالرسائل الواضحة إلى دمشق، بدءاً من شكل انعقاد القمة ومستوى التمثيل فيها، مروراً بطبيعة التشاور حول مقرراتها، وصولاً إلى نتائجها. هذا إذا لم تتخل دمشق عن استضافتها، وهو حق لأي دولة مضيفة في إصرارها على استضافتها.
وبالتالي لا يمكن التقليل من أهمية أي عنصر من هذه العناصر. وتفيد المصادر، ان عدم حل الأزمة في لبنان سيساوي في المعادلة العربية مستوى تمثيل هزلي وغير فاعل، ان لم يتم نقلها إلى مكان آخر. فمستوى التمثيل بالغ الأهمية، وان عدم مشاركة رؤساء الدول والملوك يسقط عن القمة مقومات نجاحها، لا سيما إذا ما كلّف هؤلاء سفراء بلادهم لدى دمشق بتمثيلهم فيها. فتصبح قمة سفراء، بدلاً من ان تجمع قادة الدول خصوصاً تلك المحورية والمؤثّرة في القرار العربي، وحيث كل دولة محورية من هؤلاء لديها مجموعة دول محيطة تدور في فلك موقفها السياسي وقرارها، وتلتزم به.
وتبعاً لذلك، ان هناك "جليداً كثيفاً" في العلاقات العربية ـ السورية، والعمل لكسره عشية انعقاد القمة لتحسين الأجواء العربية مع الدولة المضيفة يمر بإنجاز الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
والجليد الكثيف مرده إلى الخلاف السياسي الكبير حول مواضيع عدة في مقدمها الملف اللبناني، والملفان العراقي والفلسطيني، والعلاقة الاستراتيجية السورية مع إيران، والقلق العربي حول ما يمكن ان توصل إليه. وتظهر كثافة الجليد العربي مع دمشق، في ما يشوب العلاقات السعودية ـ السورية من تباعد وتعقيدات، لان الرياض تعبّر أكثر من غيرها من الدول عن تداعيات هذا الجليد، الذي هو على المستوى ذاته مع مصر ومع غيرها من الدول، لكن لكل دولة أسلوبها في التعبير. فمصر لديها الجليد نفسه في العلاقات مع دمشق وفي ما يشكله الوضع اللبناني من حساسية لكنها تترك مجالاً أوسع للعمل، كما هي الحال بالنسبة إلى الأردن.
وبالتالي، لا تتوقع المصادر، إذا لم يتم انتخاب رئيس للبنان قبل القمة، ان تكون المشاركة السعودية، والإماراتية والخليجية عموماً على مستوى رئيس أو ولي عهد، أو حتى وزير خارجية.
فقد يكلف في أحسن الأحوال وزير دولة أو السفير لدى دمشق بتمثيل القادة، وكذلك بالنسبة إلى مصر، والأردن، وتتوقع فقط ان يتمثل السودان، وجيبوتي، وقطر الدولة الوحيدة خليجياً ذات العلاقة الجيدة مع سوريا، واليمن، على مستوى القادة. مع عدم القدرة على التكهن بالنسبة إلى الفلسطينيين، بما إذا كان سيحضر أبو مازن أم لا في مثل هذه الحالة. وفي حال حصول هذا السيناريو بعد فشل كل المساعي لانتخاب الرئيس اللبناني لا سمح الله، فان لبنان على الأرجح سيتمثل بوزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.