تتكثف الاتصالات والمشاورات اللبنانية ـ العربية، عشية انعقاد الاجتماع الاستثنائي لجامعة الدول العربية بعد غدٍ الأحد، للخروج إلى العلن بالموقف العربي الموحد حيال ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، ودعوة سوريا إلى ان تكون عاملاً تسهيلياً للحل في هذا الموضوع، في إطار البيان الختامي لمقررات الاجتماع، والتي باتت مسودته مدار نقاش بين الأمانة العامة للجامعة ولبنان وبقية الدول الأعضاء.
ضغط عربي على دمشق
وتفيد مصادر ديبلوماسية عربية بارزة، ان الموقف العربي المنتظر حيال سوريا ستجري صياغته بلهجة معتدلة وتوفيقية، بحيث ان التعاون المطلوب منها، بعد ما وضع المجتمع الدولي بالكامل النقاط على الحروف بالنسبة إلى تحميله مسؤولية عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية يستلزم إبداء رغبة عربية واضحة حول ذلك، لكن بأسلوب غير تصعيدي. وعلى الرغم من انه لن يكون أسلوباً صدامياً، غير انه يشكل في حدّ ذاته ضغطاً على دمشق، يأتي هذه المرة من الأشقاء العرب أنفسهم، ويجسد بالتالي، بالنسبة إلى المجتمع الدولي، فرصة حقيقية لاستنفاد كل جهد بما فيه العربي، قبل إعادة وضع الآلية الجديدة للتحرّك حيال الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعد ما فشلت حتى الآن كافة المساعي والوساطات للتفاهم على الانتخاب.
وتتوقع المصادر ان يشهد الملف اللبناني تطورات قبيل الثاني عشر من الشهر الحالي موعد الجلسة النيابية الثانية عشرة التي تم تحديدها لانتخاب الرئيس الجديد، بحيث انه سيجري تقييم دولي لنتائج المسعى العربي الجديد، من خلال مفاعيل مقررات اجتماع الجامعة قبل القيام بأي تحرّك، على ان تكون المبادرة من العرب بمثابة رفع العتب العربي عن أي لجوء دولي متطور في شأن التعامل مع الموقف السوري الراهن في المرحلة المقبلة.
ويستفيد لبنان في شكل مباشر من إعادة الدخول العربي على خط أزمة الرئاسة، لأسباب متعدّدة أبرزها:
ـ تلافي حصول فراغ في الوقت الحالي والفاصل عن تفاهم عندما يحين أوانه على الرئيس العتيد وطريقة انتخابه. ومن المهم للبنان ان يبقى الدور والمظلة العربيين موجودين في هذا الوقت ليتم ملء أي ثغرة سياسية أو أمنية بدلاً من ان يستغلها المغرضون سعياً لانزلاق الأوضاع، وخلق فوضى وتوترات يمكن معرفة كيف تبدأ لكن لا يمكن التكهن بنتائجها ومداها، وتؤدي السعودية ومصر دوراً مهماً في أساس الدعوة إلى الاجتماع، وفي خلفية حاجة الوضع اللبناني إلى العنصر الضامن للحؤول دون تأثيرات سلبية للوقت الضائع على الاستقرار الداخلي، والسعي للحفاظ على حد مقبول من منع الفتن والاضطرابات، وذلك عبر السعي لإيجاد مناخات من المبادرات والتواصل بين الأفرقاء كافة.
ـ من شأن الاجتماع العربي ان يشكل مدخلاً لتحرّك عربي مستجد لمعالجة العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات، وان يكون بمثابة النواة التي تفتح بارقة أمل على استعادة التفاوض الداخلي من دون تحدٍ لا بين الأفرقاء اللبنانيين، ولا الإقليميين ولا بين الإقليميين والدوليين، والذي قد يوصل إلى حل لأزمة الرئاسة. ومن هذا المنطلق، أرجأ الأمين العام للجامعة عمرو موسى إيفاد مدير مكتبه هشام يوسف لبيروت إلى ما بعد الاجتماع، لكي يلتقي الأفرقاء اللبنانيين على خلفية إبلاغهم مقررات الجامعة، وبدء مساعٍ عربية تمهيدية تصب في خانة تطبيق هذه المقررات، وعن طريق إعادة التواصل والتفاوض بين الأفرقاء، الذي كان انقطع تقريباً خلال الأسبوعين الماضيين.
ـ ان أي مسعى عربي تبذله جهات معينة لتخفيف حدة التوتر السياسي في العلاقات السعودية ـ السورية ينعكس مباشرة على مفاعيل اجتماع الجامعة حول لبنان، وكذلك حول الموضوع الفلسطيني المدرجين على جدول أعماله، واللذين تسبب التعاطي السوري حيالهما برفع منسوب الانزعاج السعودي من دمشق، ويقوم الأردن عشية اجتماع الجامعة، بدور بعيد عن الأضواء بهدف إعادة التقارب السعودي السوري، كون عمّان تعد بالنسبة إلى دمشق مؤهلة أكثر للقيام بهذا الدور نسبة إلى مصر خصوصاً بعد المواقف الأخيرة التي أدلى بها الرئيس المصري حسني مبارك حول الدور السوري. وقد وقّعت الأردن مع سوريا أخيراً على اتفاقات ثنائية للتعاون، وسجل تفاهم عربي حول الدور الأردني مع سوريا، في إطار إبداء مرونة وتشدّد حيالها في آن معاً، لكن الهدف يبقى التوصل إلى تسهيلها الانتخابات الرئاسية في لبنان وممارسة نفوذها مع حلفائها لعدم العرقلة.
إنجاح القمّة ليس ثمناً
وتتوقع المصادر، ان تحصل مصافحة بين وزيري الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، والسوري وليد المعلّم لدى لقائهما في الجامعة، إلا ان إضفاء جو من الارتياح الشكلي من خلال البروتوكولات المطلوبة، لن يعطي نتائج جوهرية في المسألة اللبنانية، لان تخفيف التوتر سيكون محدوداً في الزمن، وانه من المستبعد ان يكون لاستضافة دمشق القمة العربية في نهاية آذار المقبل وضرورة إنجاحها أي تأثير بالنسبة إلى سوريا، من أجل تقديم إيجابيات في ملف الرئاسة في لبنان. وبالتالي ثمّة صعوبات كبيرة وشبه مؤكدة في ان تقدم دمشق تسهيلات في لبنان لقاء نجاح القمة، على الرغم من إدراكها انه في حال خفض مستوى التمثيل السعودي فيها سينسحب الأمر على مستوى التمثيل من جانب الدول الخليجية كافة. وتبعاً لذلك، فان إنجاح القمة بالنسبة إلى دمشق ليس ثمناً يستحق "التنازل" في الرئاسة اللبنانية والشروط المواكبة من جانب المعارضة في هذا الموضوع. بل انه بالنسبة إليها، هناك مقتضيات أكبر من ذلك يجب أخذها بالاعتبار، وان عقد القمة لا يعد ثمناً.
مع العلم ان تعثّر عقدها في دمشق، أو انعقادها على مستوى منخفض جداً، أو تغيير مكان انعقادها وتحويله إلى شرم الشيخ مثلاً، لا يصب في مصلحة التماسك ووحدة الصف العربي، ومن شأنه إظهار الخلافات العربية بصورة واضحة أمام الرأي العام العالمي.
وفي اعتقاد المصادر، انه على الرغم من إعلان فرنسا ومن ثم سوريا وقف الحوار بينهما حول لبنان، فانه من وجهة النظر الديبلوماسية، يمكن إعادة الحوار بين الطرفين في أي لحظة، وهذا الأمر هو في "حالة انتظار" وليس هناك من قيمة سياسية فعلية لتعبير "انقطاع الحوار" أو توقفه وهذه التعابير تعني انه "غير فاعل"، لكن حصول أي مستجدات أو خطوات إيجابية ولو بسيطة يمكن ان تجعل استئنافه ممكناً.
ولا ترى المصادر، ان إزالة التوتر في العلاقات السعودية ـ السورية يؤدي حتماً إلى حل للموضوع اللبناني، على أهمية هذا العنصر وإنعكاسه على التفاصيل اللبنانية الداخلية. فالولايات المتحدة لم تتخل عن دورها، وفرنسا لا تقبل بترك الوضع اللبناني على ما هو عليه، في حين ان دمشق وإيران تحاولان الاستفادة من المخاطر التي تستدركها الأكثرية في لبنان لتحقيق مكاسب إضافية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.