تبدو جلسة المجلس النيابي المحددة في التاسع والعشرين من كانون الأول الجاري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، حاسمة، بالنسبة إلى المجتمع الدولي، الذي لا يزال يعطي الفرصة أمام المساعي الهادفة إلى التوافق الداخلي حول هذا الانتخاب حتى رأس السنة. ويتزامن ذلك مع استئناف مواقف تصعيدية ضد دمشق بعدما اتهمها المجتمع الدولي صراحة بأنها وراء عرقلة الانتخاب، وبأنها لا تزال تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع على المشاورات الدولية الحاصلة في شأن لبنان وتطور الوضع فيه، في ضوء اللقاء الدولي الذي عقد في باريس حول الاستحقاق الرئاسي الاثنين الماضي، أن عدم التعاون السوري لتسهيل انتخاب الرئيس سيؤدي إلى تعزيز العزلة الدولية والعربية ضدها، وأن ذلك بدأ يتبلور في إطار خطة عمل تم التفاهم عليها بين الطرفين الدولي والعربي، من بين مؤشراتها الكلام الذي أدلى به الرئيس الأميركي جورج بوش بالنسبة إلى انتخاب الرئيس في لبنان قبل ثلاثة أيام، وما قاله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في هذا الموضوع. وبالتالي، أعيد وضع الملف اللبناني برمته تحت المجهر الدولي لا سيما ملف الرئاسة، بحيث اتفق على متابعة دولية مكثّفة من الآن وحتى الحد الزمني الموضوع رأس السنة الجديدة، ومن ثم يتم النظر في تطور الموقف اللبناني، والقرار الداخلي الذي سيُتخذ حيال جلسة التاسع والعشرين من الجاري، مع الإشارة إلى أن موقف بوش من الانتخاب متصل لناحية التنفيذ بأداء الفرقاء في الداخل، وما إذا كانوا سيصلون إلى هذه المرحلة، وسبل تظهير هذا المنحى داخلياً ودولياً واكتسابه الدعم الخارجي المطلق.
رفض دولي للشروط المسبقة
وتبعاً لذلك، ستتكثف الجهود الدولية مجدداً قبيل الجلسة في محاولة حثيثة لحصول التوافق بين الفرقاء على الرئيس، وسبل الانتخاب، وسط إصرار دولي على جملة مسائل هي:
ـ ضرورة إجراء الانتخابات بأسرع وقت.
ـ الرفض الدولي للشروط المسبقة، خصوصاً وأن اسم المرشح المطروح للرئاسة هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان اسم توافقي.
ـ إن الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك فرنسا حمّلتا سوريا مسؤولية تعثر الانتخاب ووضع العراقيل أمام إنجازه في مرحلة ما قبل خروج الرئيس السابق اميل لحود من قصر بعبدا وانتهاء مهمته، وما بعد ذلك حتى الآن. وقد جمد المجتمع الدولي بإيعاز من البلدين نوعاً ما، الإجراءات ضد دمشق في المرحلة السابقة، لإعطاء مزيد من الفرص أمام التوافق، وأمام ممارسة دمشق نفوذها على حلفائها أركان المعارضة لتسهيل الحل، لكن ظهر للدول أنها لن تتجاوب مع المطالب الخاصة بذلك وعادت واتهمتها مباشرة بالعرقلة.
وتشير المصادر إلى أن هناك احتمالات ثلاثة لمرحلة ما بعد رأس السنة الجديدة إذا لم يحصل الانتخاب في 29 الجاري، وهي:
ـ أن يبقى الوضع اللبناني في حالة "ستاتيكو" من دون رئيس مع تفعيل لدور الحكومة بغطاء عربي ودولي على أن يتزامن الأمر مع ردّة فعل دولية حيال سوريا لا بدّ أن تكون لتصعيد الضغوط السياسية عليها وتحقيق المزيد في مسار عزلها.
ـ في ضوء حديث الرئيس بوش عن خيار النصف زائداً واحداً، فهل سيكون هذا الخيار في حال فشل التوافق قائماً وواقعياً، وإذا ما حصل، كيف يمكن أن تتطور الأمور داخلياً؟
ـ هناك احتمال بأن يؤدي الفشل في التوافق على الاستحقاق الرئاسي إلى تحرك دولي مختلف عما سبقه ويؤدي بدوره إلى إجراء الانتخاب. وحتى الآن لا يوجد تفاهم دولي محدد حول هذه المرحلة وهذا الاحتمال، إنما يمكن وضع تصور لدى الاقتضاء. من هنا، من المؤكد أن هناك ضغوطاً دولية استؤنفت بالنسبة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا يتم بصورة واضحة، لكن هناك عوامل عديدة تتحكم بالمدى الذي سيصل إليه هذا الضغط، لأن ليس هناك من طرف داخلي أو خارجي يملك المعطيات كافة التي تتحكم بأي منحى يتخذ.
وفي اعتقاد المصادر، أن الاحتمال الأول لمرحلة ما بعد تعذر الانتخاب يحمل في طياته مخاطر متنوعة خصوصاً إذا تم ربط هذا الاستحقاق بسلة تطورات دولية ـ اقليمية وداخلية. إذ أنه من المحتمل جداً أن يكون بدء المحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الإرهابية الأخرى إحدى الفرص الدولية المنتظرة للتأثير على دمشق ومواقفها إن حيال المواضيع اللبنانية المطروحة، أو تلك الاقليمية. وليس من المستبعد دولياً أن يمثل انتظار صدور القرار الاتهامي في الجريمة والمتوقع في شهر شباط المقبل، أحد أوجه الظروف التي يمكن الاستفادة منها، في تعميق العزلة السورية ووقف المؤثرات والنفوذ السوريين لدى الداخل اللبناني، ما يساهم مع العديد من أنواع الضغوط الدولية ـ العربية في الحد من ذلك.
وتكمن عناصر هذه السلة المحتملة، في الاستحقاق، والمحاكمة، وإنجاح القمة العربية التي ستعقد في دمشق نهاية شهر آذار المقبل. فإذا فشلت الانتخابات الرئاسية، ستفشل القمة العربية حتماً أو أنها لن تحقق النجاح المتوخى منها، لا من حيث الدعم والزخم العربيين للرئاسة السورية للقمة، ولا من حيث الشكل بحيث لن تحظى القمة بحضور على مستوى القادة خصوصاً قادة الدول المحورية لا سيما السعودية ومصر والإمارات والأردن. كما أنه في حال لم تحصل الانتخابات وتعرضت لوضها لاحقاً في السلة المذكورة، فإنها ستكون أكثر عرضة للتعقيدات الدولية والعربية والقضائية ـ السياسية، الأمر الذي سيجعل حصولها صعباً للغاية، كما سيساهم الفراغ في موقع الرئاسة حتى ذلك التاريخ في الإفساح في المجال أمام مخاطر جمّة على الوضع اللبناني، في مقدمها محاولات لإحداث الخربطة والفوضى لقلب المعادلات الدولية ـ العربية على الساحة اللبنانية، وخلط الأوراق بهدف السعي لتعطيل المؤثرات الحقيقية للمحاكمة، ما ينعكس سلباً على تسهيل التوافق على الرئيس العتيد وعلى كل القرارات الداخلية في البلاد. لذلك، فإن الدول الفاعلة تفضّل الإسراع في الانتخاب وملء الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى لتلافي وقوع الاستحقاق في إطار سلة مطالب دولية وعربية واستحقاقات داهمة.
انتهاء الفرص مبدئياً
وقد أعادت الولايات المتحدة الإمساك بزمام الملف اللبناني، بالتوافق والتنسيق مع فرنسا التي يبقى لها دور متمايز في تقديم الأفكار التوفيقية والسعي لبلورة مزيد من فرص التوافق وهذه العودة كانت بموجب الانتهاء مبدئياً من إعطاء الوقت الكافي للتوافق بحسب الأولويات الدولية التي تأخذ في الاعتبار دائماً المخاطر على الوضع الداخلي ودرئها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.