وضعت الزيارة التي قام بها أمس إلى بيروت مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير ديفيد ولش حدا لكل التقويمات التي تناولت الدعم الأميركي للبنان لا سيما تلك السلبية منها. وأكدت الزيارة مرة جديدة ان الدعم الأميركي لسيادة لبنان واستقلاله واستقراره مسألة ثوابت في السياسة الأميركية، وان التعاطي الأميركي مع الانتخابات الرئاسية لم يُظهر أي إشارة من إشارات خفض مستوى هذا الدعم.
وفي رأي ديبلوماسي بارز واسع الاطلاع على العلاقات بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، ان الإدارة الأميركية لم تكن وراء أي سقف حددته قوى الرابع عشر من آذار في المرحلة الأخيرة من المنحى التوافقي الذي اعتمدته، انما اللبنانيون هم من قرر ذلك، مع العلم انهم يدركون جيداً، ان أي قرار يتخذونه حول مرشحهم للرئاسة سيلقى دعماً من الإدارة، وان أي تفضيل في الاتجاه الذي تعتمده هذه القوى، ان كان بخيار عدم الخوف من الفوضى باتمام للاستحقاق، أو الحذر الذي يحوط ذلك لديها، وإعطاء مزيد من الفرص التوافقية، سيلقى دعماً أميركياً.
ايفاد ولش تقرر بسرعة
وتكشف المصادر، ان ايفاد ولش إلى بيروت لم يكن مقرراً في السابق، وجاء القرار بصورة فجائية وسرية ونتيجة لتقويم أعد وفي وقت كان تم استدعاء السفير الأميركي جيفري فيلتمان إلى واشنطن، من أجل استشارته حول تطورات الموقف في لبنان ومن المتوقع ان يعود قبل الأعياد. وتبعاً لذلك، تهدف اللقاءات التي عقدها الموفد الأميركي مع المسؤولين اللبنانيين إلى ما يلي:
ـ تأكيد استمرارية الدعم للبنان ولإتمام الاستحقاق الرئاسي وللاستقرار الذي يجسّد التفاهم الداخلي حول ذلك، وبأن هذا الدعم لم يتغير وايصال رسالة الإدارة الحازمة في هذا الشأن. ثم توضيح صورة الموقف الأميركي من الملف اللبناني، ومن التقويمات اللبنانية لهذا الموقف اثر المساعي الفرنسية، وانعقاد مؤتمر أنابوليس للسلام. وبالتالي هناك استعدادات أميركية متجددة لمعرفة ما الذي يريده اللبنانيون من أجل استكمال دعمهم، وليس لدى واشنطن موقف تتخذه كل يوم، وهو ما أبلغ إلى أكثر من طرف لبناني عشية زيارة ولش ، لكن ما يهمها التأكيد عليه هو، استعداداتها لتقديم ضمانات ولتحفيز مجلس الأمن لمواقف أكثر دعماً للبنان، ومن بين ذلك الاستعداد لقرارات جديدة يتخذها المجلس.
ـ وفي الوقت نفسه، استطلع ولش ما آل إليه الوضع اللبناني بدءاً من المواقف من مرشحي الرئاسة، وطروحات الأكثرية، والطروحات التي لدى المعارضة، وضرورات التوافق على تمرير الاستحقاق. وتدرك واشنطن في هذا المسار، أهمية الحفاظ على المعنويات المرتفعة للفريق الاستقلالي وعدم تقديم التنازلات، انما تقديم حلول توافقية وضمانات متبادلة.
ـ وهي أبلغت الحكومة وفريق الأكثرية انها لن تتراجع، وهي مستعدة للوقوف إلى جانب أي خيار تتخذه الأكثرية، ان لم يكن وارداً لديها في الأصل، أو في حال تمت العودة إلى خيارات كانت اسقطت. وتدارس ولش مع الفرقاء اللبنانيين ما يمكن اتخاذه من مواقف وأفعال للخروج من أجواء التعقيدات من أمام الاستحقاق. وطرحت على ولش تساؤلات حول الضمانات التي يمكن ان تقدمها بلاده سياسياً وأمنياً، ومستواها.
العرقلة السورية تثبت ان لا مقابل
ـ ابلاغ الحكومة والأطراف اللبنانيين، بأن لا صفقة أميركية مع سوريا على حساب لبنان، وان هناك استئناف للضغوط الأميركية على سوريا نتيجة عدم تسهيلها للحل في لبنان وعرقلة انتخاب الرئيس تأتي بالدرجة الأولى. ويشير الديبلوماسي البارز إلى ان العرقلة السورية للانتخاب بكافة وجوهها وأشكالها هي الدليل الواقعي على عدم حصول أي اتفاق أو صفقة، ولو كان ذلك قد تم فعلاً، لكانت سوريا سهّلت الأمور، من دون ان يعني الأمر، أن تواصل المساعي معها ونجاحها، من دون ثمن في الملف اللبناني حصول صفقة حتمية. انما على العكس، فإن دمشق تواجه ضغوطاً واحراجاً لا سيما عشية الاعلان قريباً عن انطلاقة عمل المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الارهابية الأخرى.
وتلاحظ أوساط غربية ان استمرار الدعم الأميركي والدولي للبنان على هذا النحو، يجب ألاّ يوصل الى تراجع المعنويات في الداخل، في حين ان دمشق في حالة القوة وفي حالة الضعف، لا تقدّم أي تنازلات ولا تزال تحجم عن ذلك حيال تسهيل التوافق اللبناني في المسائل الكبرى لا سيما ما حصل حيال اقرار المحكمة وحيال الرئاسة في الوقت الحاضر.
وتلفت الأوساط، الى انه اذا ما وصل الأميركيون الى قناعة بأن كل أساليب الضغوط على دمشق لم تنفع، لا يعني ذلك، انه حصل تراجع أو تخلٍ عن قضية لبنان. كما تلفت الى أهمية حصول موقف حاسم لقوى الرابع عشر من آذار، في حال استمر الآخرون في تعطيل الانتخاب، وفي ظل ضيق الآفاق الدستورية والمهلة الزمنية التي تنتهي آخر الشهر الجاري بالنسبة الى القدرة على الانتخاب.
ولا بد من العودة مجدداً الى بكركي لتأمين غطائها على أي قرار تتخذه هذه القوى في حال فشل الاستحقاق للحفاظ على دعم المرجعية للحكومة، لأن استمرار النزاع الداخلي على الرئاسة وعدم حسم التوجهات، سينعكس سلباً على الوضع العام في لبنان، وقد يكرّس باباً مفتوحاً على كل التطورات السياسية والأمنية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.