في موازاة الاهتمام الدولي بأولوية التوافق الداخلي على رئيس الجمهورية الجديد وعلى ما سيحمله هذا الانتخاب من برنامج سياسي للحكومة والحكم في إطار الالتزامات الدولية وتنسيقها مع الثوابت الداخلية، تبدي تقارير ديبلوماسية غربية قلقاً كبيراً حيال الوضع اللبناني، وخشية من ان يكون استئناف الأعمال الإرهابية والاغتيالات، محطة جديدة لانتقال المستفيدين من عدم التفاهم السياسي إلى مرحلة اخرى من التخريب الأمني، الذي قد يكون مفتوحاً على احتمالات من شأنها تعريض البلاد لشتى أنواع المخاطر.
ويكمن القلق في ما يطرح من علامات استفهام حول سبل إدارة الوضع اللبناني ومن يدير الأزمة في لبنان، والسقف الذي يحكم أي تطور سياسي أو أمني قد يحصل، في ضوء العديد من المعطيات أبرزها:
تياران داخل الولايات المتحدة
ـ عدم وجود خيارات أميركية جديدة حاسمة بالنسبة إلى تطور الموقف الداخلي حيال الرئاسة. مع العلم ان واشنطن والمجتمع الدولي كانا وراء مواقف الأكثرية في كل الخيارات، مع الصعوبة التي كانت سائدة لديهما في تقديم ضمانات أمنية ترد مخاطر أي خيار تتخذه الأكثرية، في حين ان عنصرين أساسيين شكلا واجهة الاهتمام الأميركي، هما المبادرة الفرنسية حول لبنان والسير بها حتى النهاية ومؤتمر أنابوليس للسلام حيث سيتفرع عنه مؤتمرات دولية اخرى، ترغب الإدارة الأميركية في تحقيق مكاسب وانتصارات عبر تقدم ملف السلام في السنة المتبقية من حكم الرئيس جورج بوش. وهو سيجول مطلع السنة الجديدة في المنطقة لدعم التوصل إلى اتفاق سلام ينهي النزاع العربي ـ الإسرائيلي. ويسود في هذا الوقت، بحسب مصادر ديبلوماسية، مطلعة على العلاقات اللبنانية ـ الأميركية، تياران لدى واشنطن حيال لبنان والمنطقة من دون ان يكون هناك أي نيّة لصفقات على حساب هذا البلد. التيار الأول في البيت الأبيض يقوده ديك تشيني وهو التيار المتشدّد في ضرورة الحفاظ على المنحى الذي اتخذته الإدارة حيال سوريا وإيران. والآخر هو التيار الديبلوماسي في وزارة الخارجية، والذي يدعم السعي لتحقيق نصر في مكان ما من العالم، ولعل الأوفر مجالاً هو السلام في الشرق الأوسط.
ليونة أميركية من دون إقرار بها
وبالتالي سجلت ليونة أميركية في التعامل مع العديد من القضايا أبرزها السلام، ومن ضمن ذلك الانفتاح على مسألة دعوة سوريا إلى أنابوليس وما سينبثق عنه من مؤتمرات سلام خلال المرحلة المقبلة، لكن من دون إعادة فتح الأبواب الأميركية التي لا تزال موصدة أمام دمشق، ومستقبل ذلك لا يزال يلفه الغموض. وهناك عودة أميركية إلى التعامل مع ملفات المنطقة بحسب التعاطي التقليدي مع بعض التعديلات التي ستطال الموضوع اللبناني، واتباع توصيات تقرير بايكر ـ هاملتون من دون الاقرار بذلك.
ـ هناك مسعى فرنسي متجدد حيال الرئاسة في لبنان، من خلال الاستعداد الذي أبداه الرئيس نيكولا ساركوزي لزيارة سوريا اذا سهلت الانتخابات الرئاسية. لكن هذا المسعى يشوبه الحذر. وحتى الآن لم تلمس الديبلوماسية الفرنسية رداً ايجابياً على العرض الفرنسي، خصوصاً انه على الأرض ربط رئيس مجلس النواب نبيه بري تجاوبه مع دعوة رئيس اللقاء الديموقراطي النيابي وليد جنبلاط بموقف رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون الذي علم انه لم يبدِ تراجعاً عن موقفه السلبي حيال التفاهم على أن يشغل رئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري منصب الرئيس المقبل للحكومة بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
ولاحظت المصادر، انه في اطار المسعى الفرنسي حول لبنان، لا سيما بعد وعد باريس للأميركيين بعدم التراخي مع دمشق وتوجيه رسائل حاسمة اليها، لتسهيل الاستحقاق الرئاسي، سعت دمشق الى الاستفادة من اسلوب فرنسا الذي تمايز عن الأميركيين في التعامل معها، ومع ايران ومع اصدقاء فرنسا الشيعة في لبنان، حيث احجمت الادارة الأميركية عن الكلام مع أي جهة منهم.
وقد وضعت فرنسا معادلة ربطت فيها بين العلاقات الفرنسية ـ السورية وتحسينها وبين فك العزلة الاوروبية عن دمشق، نتيجة لتسهيل دمشق الاستحقاق الرئاسي.
وتكمن محاولة سوريا في الاستفادة من الموقف الفرنسي هذا، انه بدلاً من ان تعطي في الرئاسة من دون التدخل في الشأن اللبناني وممارسة الضغوط الأمنية، حاولت جاهدة ان تربط الاستحقاق بدورها المستقبلي في لبنان، وبمدى الحوار المتاح لها مع الولايات المتحدة الأميركية. وتحديداً حول امكاناته بالنسبة الى نتائج المحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الارهابية الأخرى.
وثمة قلق تبديه المصادر حول مسألتين، الأولى: ان دقة الوضع في العراق بالنسبة الى الولايات المتحدة اثّر جداً في أولوياتها في المنطقة، وبسبب السياسة الأميركية حيال سوريا قبل أنابوليس تحققت عزلة دمشق، لكن فك العزلة التدريجي عنها الفرنسي والعربي الحاصل حالياً هو بسبب الموضوع اللبناني. والأولوية الدولية التي احتلها اخيراً، تحقق حوله من دون أي تقدم فعلي. والمسألة الثانية، هي، ان القرار 1559 الذي نص على ان ينأى لبنان بنفسه عن التدخلات الخارجية وان يستعيد سيادته واستقلاله، ليس واضحاً بعد الواقع التنفيذي لهذا القرار في ما آل اليه تطور الموقف في لبنان، ومدى الضغط الدولي لتطبيقه لا سيما حيال الرئاسة، والنفوذ الخارجي، والسلاح غير الشرعي.
أسئلة حول الضمانات الأمنية للأكثرية
ـ ان الطرف الراهن والذي ادى بالأكثرية الى ترشيح سليمان رئيساً، في ظل حد معقول من التهدئة الأمنية، هذا الطرف يحوط به تساؤلات حول الضمانات الموجودة أمنياً للأكثرية، وعدم اللجوء مجدداً الى اللعب بالورقة الأمنية، والى اللجوء الى الاغتيالات السياسية.
ـ ان تقرير المخابرات الأميركية حول الملف النووي الايراني طرح تساؤلات كبيرة حيال مستقبل الجهد الدولي ازاء هذه القضية ومصيره، وانعكاسات ذلك على الموقف الأميركي في العديد من ملفات المنطقة. وهناك معطيات تفيد ان روسيا الاتحادية والصين سيمتنعان مجدداً عن دعم الموقف الأميركي في مجلس الأمن بالنسبة الى ملف ايران.
ـ ان الضعف السياسي لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت، وعدم وجود بديل له حالياً، جعل اداءه ومصالحه تتناغم بصورة غير مباشرة مع المصالح السورية، ان بالنسبة الى اطلاق عملية السلام، أو بالنسبة الى طريقة التعامل التي تبديها الادارة الأميركية مع دمشق في مجال دورها في ضبط الأمن في العراق، وكعامل لضبط الفوضى في المنطقة لم يتم بعد ايجاد بديل له. الأمر الذي ينعكس على الموقف الدولي حيال دمشق وحيال النفوذ الذي تمارسه على حلفائها في لبنان، ودورهم. ما يبقي القلق قائماً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.