استأنف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مسعاه بين الفرقاء اللبنانيين لتذليل العقبات أمام التفاهم على رئيس جديد للجمهورية يتم انتخابه في أقرب وقت ممكن.
ويأتي التحرك الفرنسي في ضوء المبادرة التي طرحت في الداخل، وفي ظل موافقة الأكثرية على تشريح قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة كحل توافقي، حيث يحظى هذا الطرح بمظلة دولية، ينتظر ان تستكمل برد فعل ايجابية اقليمية يتجسد على الأرض من خلال موافقة أطراف المعارضة فعلاً على السير به. وأهمية المسعى الفرنسي في هذا التوقيت بالذات، هو وضع حد للشروط والشروط المضادة، التي اذا ما استمرت ستؤدي الى تعميق الخلاف والابقاء على الفراغ قائماً في سدة الرئاسة الأولى.
وثمة عوامل عديدة داخلية واقليمية ودولية ساهمت في ايجاد المظلة الدولية لطرح ترشيح سليمان للرئاسة، وهي، استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية كالآتي:
ـ ان شبه الاجماع في الموقف بين البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله بطرس صفير، والدول الفاعلة في العالم على عدم السير بخيار النصف زائداً واحداً كحل بعد تعذر الحلول الأخرى، حض الأكثرية النيابية على العمل لدرء مخاطر الفراغ الرئاسي بالتراجع عن موقفها بالنسبة الى رفض تعديل الدستور لتسهيل انتخاب سليمان. وبالتالي، انه اذا ما كانت الأكثرية وراء انتخاب سليمان، تكون قد حققت مكسباً كبيراً واستراتيجياً، عبر احراج المعارضة، خصوصاً وان التهديدات التي تنجح المعارضة بالتهويل داخلياً بها، لا تعود صالحة للنقاش كبديل، في ظل طرح مرشح كقائد الجيش.
ساركوزي مهد واتصل بالأسد
ـ ان هذا الطرح والامكانات المتوافرة للتفاهم حوله، استدعى تحركاً فرنسياً مهد له الرئيس نيكولا ساركوزي باتصال بالرئيس السوري بشار الأسد لبذل الجهود مجدداً مع أركان المعارضة للابتعاد عن الشروط التي من شأنها العرقلة. وتدرك فرنسا جيداً ان دمشق استطاعت اللعب على التناقضات الداخلية اللبنانية، ولدى المعارضة أيضاً، ولم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود. فقد كان الأسد أجاب ساركوزي لدى اتصاله به قبل انتهاء ولاية لحود، وعندما كان كوشنير لا يزال يجري محاولات الربع الساعة الأخيرة، انه بامكانه ان يمون على الشيعة ولكن لا يمكنه ان يمون على رئيس تكتل "التغيير الاصلاح" النائب العماد ميشال عون، الذي بدوره قال لساركوزي انه مرشح للرئاسة.
لا برنامج دولياً لمعالجة الفوضى
لذلك ان التحرك الفرنسي حيال لبنان سيتزامن مع مواكبة فرنسية متجددة للتعاون السوري حيال الرئاسة، في ظل تبريد الأجواء الدولية، مع دمشق على اثر مشاركتها في المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة الذي انعقد في أنابوليس نهاية الشهر الفائت. وهناك عنصر أساسي تجمع عليه مراكز القرار في واشنطن والعواصم الأوروبية بما فيها فرنسا، وهو ان الدول الفاعلة ليس لديها برنامج لمعالجة احتمال حصول فوضى أمنية واضطرابات في لبنان، فالأميركي غير قادر على ذلك، نظراً لحساسية اللجوء الى مثل هذه المعالجة في لبنان، وللضغوط التي تواجهها الادارة الأميركية في العراق خصوصاً. أما الأوروبيون، فإن الفوضى الأمنية لا تناسبهم، نظراً لوجود وداتهم العسكرية في الجنوب اللبناني في اطار "اليونيفيل". وثمة قناعة دولية بأن الظروف الحاضرة تحتم على المجتمع الدولي عدم الذهاب مع دمشق أبعد من الضغوط في المواقف. في حين، ان المحكمة والمحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الارهابية الأخرى ذات الصلة، لا تزال تشكل عنصراً ضاغطاً على دمشق. كما ان الدول الأوروبية والعربية لا تزال على مقاطعتها لها، وان روسيا الاتحادية لا تزال تبذل جهوداً لتليين موقف دمشق حيال الانتخابات الرئاسية اللبنانية وفق خطة موضوعة لهذه الغاية لا يتم الاعلان عنها.
ـ ان المواكبة الفرنسية المتجددة لانتخاب رئيس للبنان والخروج من الفراغ، والمتابعة الحثيثة للموقف السوري في هذا المجمل، يتم بعد دخول دمشق في مسار انابوليس، وفي وقت وُعدت بآمال وايجابيات بالنسبة الى استردادها الجولان المحتل، وهي في المقابل جعلت كلا من واشنطن والاتحاد الأوروبي يأملان بابتعادها عن ايران وتحقيق الآمال المتوازية، يحتاج الى استمرارية التواصل الدولي ـ السوري وتفعيله الى أقصى حد ممكن، وبالاندماج السوري دولياً. وهذا يعبُرُ في محطات عدة أبرزها وأقربها تسهيل الرئاسة في لبنان، حيث يتم طرح رئيس قريب منها ولكن ليس بتفاهم معها. لكن المطلوب منها، الضغط على أركان المعارضة لوضع حد لشروطها، التي قد تنسف كل الايجابيات التي تصاعدت خلال الأيام الماضية من جراء هذا الطرح.
وتبقى المعضلة الأمنية والهم الأمني لدى الساعين لتذليل العقبات من أمام انتخاب الرئيس أولوية في الاختيار. اذ انطلق هؤلاء من قدرة سليمان على ضبط الأمن والتفاهم مع "حزب الله" حيال كافة المسائل الأمنية والتجربة الكبرى في الجنوب لدى تنفيذ القرار 1701، وما قد يستتبع ذلك من ايجاد صيغ للتفاهم مستقبلاً على مصير سلاح الحزب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.