شكل البعد السياسي للمحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والجرائم الإرهابية الاخرى ذات الصلة، محور تساؤلات، تركزت على موقعه بالنسبة إلى التوافق الدولي ـ الإقليمي على الاستقرار والتهدئة في لبنان في المرحلة الحالية من التفاهم على رئيس جديد للجمهورية، وما بعدها.
كما تركزت على ما إذا كان هناك من رابط بين الاستقرار المنشود ومستقبل المحاكمة ونتائجها.
وحيال ذلك، تستغرب أوساط ديبلوماسية غربية بارزة، طرح تساؤلات من هذا النوع مستبعدة أي تأثير لمزيد من الايجابيات في العلاقات الأميركية ـ السورية، على إنشاء المحكمة، ومسيرتها، ونتائجها، وانه من السابق لأوانه تناول البعد السياسي للمحاكمة، وذلك لعوامل عدة هي كالآتي:
1 ـ ان الجو السياسي المستبعد على المستوى الدولي وتحديداً الأميركي، مع سوريا هو جو مختلف بالطبع عن ما ساد العلاقات خلال ثلاثة أعوام سابقة والتي ساءت منذ مقتل الحريري. والجو الحالي يعبّر عن وضع يمكن ان يمهد لانفتاح ولتطبيع في العلاقات الثنائية، إذا ما لبت دمشق مطالب دولية لا سيما ما يتصل بالاستقرار اللبناني، وبالسلام في الشرق الأوسط، كما في شأن الأمن في كل من العراق وفلسطين. وقد أعطت الولايات المتحدة دمشق فرصة حقيقية عبر دعوتها إلى مؤتمر السلام في أنابوليس تكون بمثابة المدخل الواقعي لفتح حوار جدي معها، من دون ان يكون الأمر يحمل في طيّاته معطيات أو رغبة في التوصل إلى صفقة متكاملة، من بين عناصرها القرارات الدولية المتصلة بلبنان، لا على المستوى السيادي الاستقلالي، ولا على المستوى المتعلق بإحقاق العدالة في جريمة الحريري والجرائم الاخرى. فتمكنت دمشق من الاستفادة من هذه الفرصة سعياً لإقامة حوار مع واشنطن مباشرة، وكانت اصطدمت كل المساعي الأوروبية معها، خصوصاً حول المواضيع اللبنانية المطروحة، بأن ما يهمها هو هذا النوع من الحوار. وان أي إيجابيات تقدمها دمشق، يهمها ان تقدمها مباشرة للأميركيين، الذين عدلوا في أسلوبهم معها لكن من دون ان يكون ذلك على حساب لبنان.
الشرعية الدولية
ان المحكمة في جريمة الحريري، والجرائم الاخرى، باتت جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي ومن الشرعية الدولية. وهذه المحكمة سيعلن عن تشكيلها نهاية هذا الشهر كما يرتقب، كما انها ستبدأ بالمحاكمة قريباً، وستعلن بدورها القرار الاتهامي الذي لن ينشر إلا عندما تصبح المحكمة جاهزة للبدء بمهمتها، ولدى استكمال التحقيق الأساسي. ومن المؤكد ان هناك محكمة، ومحاكمة وفقاً لنظامها الأساسي.
والمحاكمة ستستغرق وقتاً مبدئياً لثلاث أو أربع سنوات، ولن يتأثر مسار المحاكمة، وهي حاصلة حتماً.
ان هناك فارقاً بين مسار المحاكمة، والبعد السياسي الذي ستصل إليه المحاكمة. ويتوقف هذا البعد في الدرجة الأولى على وجود الأدلة الحسية والمادية التي تدين أعلى المستويات من جراء القرار الاتهامي أولاً، ومن ثم من خلال المحاكمة وأقوال الشهود والمشتبه بهم ثانياً. وأيضاً يتوقف على عدم محدودية الأدلة عند ما يدين فقط من اشترك في تنفيذ الجرائم، بل الأخذ بالاعتبار السلسلة التي مرّ بها صدور الأمر التنفيذي بالجرائم بدءاً من الطرف المدبر حتى الفاعل الأصلي. وهذا سينتظر انتهاء التحقيق، وتقدم المحاكمة، مع ان التقرير الأخير لرئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في هذه الجرائم سجل تقدماً واضحاً في مجالات عدة ومهمة في التحقيق، وان لم يشأ تسمية كل نقاط التقدم، بهدف الحفاظ على الطابع التقني لتقاريره، ومن دون ان يعدل في هذا المنحى، ولو حتى في تقريره الأخير. وبالتالي ليس ممكناً وقف العمل لإنشاء المحكمة أو إغلاقها في مرحلة ما بعد انطلاقتها لأي سبب كان، أو التراجع عنها، وان المحاكمة ستستكمل حتى النهاية. لذلك فإن الجهد الذي يقوم به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لإطلاق عمل المحكمة، سيتوج من خلال تقريره الثاني حول مجريات تنفيذ القرار 1757، الذي سيحيله إلى مجلس الأمن الدولي منتصف هذا الشهر ويتضمن التقدم التراكمي لخطوات تشكيل المحكمة، من تعيين المدعي العام وهو خلف براميرتس، القاضي دانيال بيلمار، وتعيين القضاة اللبنانيين والدوليين المتوقع خلال أيام، والتوقيع على اتفاقية المقر مع هولندا وإنجاز آلية التعاون بين لبنان والمحكمة في إطار المحاكمة كون هناك قضاة لبنانيين من ضمن هيكليتها. وعلى الرغم من وجود جو جديد بين الولايات المتحدة ودمشق. فإن مسار المحكمة لم يتم ابطاؤه أو تعديله، بل يتحقق وفق القرار 1757، وبالاستناد إلى القرارات ذات الصلة بالجريمة.
المحاكمة ستقول من قتل الحريري
ان المحكمة ستخرج بنهاية أكيدة وحتمية حول محاكمة من قتل الحريري. لكن البعد السياسي في ما هو مسلط على الجهة شبه المتهمة من جراء وجود المحكمة والمحاكمة، يستلزم تحديده مزيداً من الوقت، وهو يبقى في إطار الفترة الزمنية المطلوبة لإنجاز المحاكمة، وقد لا يكون بعيداً في وقعه عن أي تطورات سياسية تشهدها العلاقات الدولية ـ السورية، في المرحلة اللاحقة.
وسينهي براميرتس مهمته منتصف هذا الشهر. وهناك اتجاه لدى مجلس الأمن لعقد جلسة الاربعاء المقبل للنظر في تقريره الأخير، والاستماع إلى شرح مفصل منه حول ما توصل إليه التحقيق وحول نتائج مهمته.
وهذه المهمة ستستكمل من دون فراغ من خلال تسلم بيلمار منصبه فوراً. وقد بدأت لقاءات بين الاثنين في إطار تسلّم الخلف ملفات التحقيق والإطلاع على تفاصيل الجريمة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.