ما ان انتهى المؤتمر الدولي للسلام الذي عقد في أنابوليس، حتى بدأت إنعكاساته تظهر على تطورات الوضع الداخلي اللبناني، لا سيما من خلال الطروحات المتصلة بملء الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، والتعديلات التي طرأت على العديد من مواقف الأفرقاء وأولوياتها في هذا الشأن، وما يمكن ان تشهده البلاد من تعديلات اضافية في مواقف اخرى، ستتناغم مع الظروف الجديدة التي أرستها نتائج المؤتمر.
فالتوجه العام الذي سيتبلور جراء مفاعيل المؤتمر بالنسبة إلى لبنان، يختصره عنوان واحد هو الاستقرار.
وان كل العناصر والمكونات الضرورية لتشكيل مناخ الاستقرار في لبنان، تفترض منذ الآن ان يتضافر الجهد الدولي والإقليمي لتحقيقها، وفقاً للتفاهمات التي تمت بين المجتمع الدولي ودمشق التي ساهم حضورها في إنجاح هذا المؤتمر.
هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية بارزة، وهي ترى ان انعقاد أنابوليس اثر ايجاباً على لبنان، انطلاقاً من عنصر الاستقرار هذا المطلوب ارساؤه، ما سينعكس تكثيف المساعي لايجاد حلحلة في لبنان بحدود معقولة تحظى بقبول لدى الافرقاء كافة.
بحيث انه إذا ما تم التفاهم على شخصية الرئيس العتيد ومواصفاته، يعني ان هناك توافقاً حتمياً على الحكومة الجديدة التي ستتشكل، وعلى التمثيل فيها، وعلى مضمون بيانها الوزاري.
والعمل الدولي ـ الإقليمي على الاستقرار في لبنان بعد أنابوليس مطلوب لسببين، كما تفيد المصادر، وهما:
الأول: ان اطلاق التفاوض على المسارات كافة السلمية الفلسطينية أولاً، والسورية واللبنانية مع إسرائيل، يتطلب وضعاً لبنانياً مستقراً. فمن جهة، ان جهوزية لبنان لمعاودة التفاوض على مساره مع إسرائيل، كما تعد روسيا الاتحادية للأمر من خلال استضافتها في آذار المقبل مؤتمراً دولياً للسلام على المسارين اللبناني والسوري، منبثق من مؤتمر أنابوليس، تستدعي التفاهم على الاستقرار الداخلي بين أفرقاء الداخل، والخارج المؤثرين على الداخل. والتفاوض غير اللبناني مع إسرائيل يستدعي منع التأثيرات السلبية عن لبنان، من جراء استعماله كساحة لردود الفعل اثناء المفاوضات، وإرسال الأجوبة عبر أراضيه، واستباحتها بالضغوط والضغوط المضادة التي لا يمكن حصر مداها أو التحكم بما قد تصل إليه سياسياً وأمنياً. وبالتالي المطلوب من لبنان ان يؤدي دوره في التفاوض بحد مقبول من الانسجام الداخلي والاستقرار والأمن. ولا يمكن أمام الأفرقاء الذين صمدوا لتحقيق سيادة لبنان واستقلاله إلا الأخذ بالاعتبار الاستراتيجية الكبرى للدول الفاعلة التي دعمت ثوابتهم الوطنية. وهذه الدول لن تغيّر في هذا المسار، إلا انها ستحاول استكمال تحقيقه في إطار المناخ العام الذي سيحكم الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أنابوليس.
وتبعاً لذلك، لا يمكن القول، ان هناك تحولاً دولياً جذرياً حيال دمشق، أو في طريقة التعامل معها، انما مجرد طرح موضوع الجولان السوري المحتل ووجود دمشق في المؤتمر شكلا المرحلة التمهيدية من الانفتاح الدولي عليها، على الرغم من ان تحقيق السلام الفعلي ليس بالأمر السهل والتفاوض يتطلب جهوداً كبيرة ووقتاً قد يمتد لسنوات.
تحسين العلاقات
اما السبب الثاني، فهو انه جرى التفاهم في إطار لبنان المستقر، على الا يشكل هذا البلد أو أي أوضاع فيه مجالاً للضغوط الدولية أو غير الدولية على الآخرين. وهناك اتجاه للعمل على التخفيف من العوامل التي تؤدي إلى ذلك، على أساس ان تحسين علاقات لبنان مع آخرين يؤدي هذه الغاية. لكن من المهم عدم إسقاط إعادة النظر في التفاهم إذا ما حصلت مستجدات، تستلزم الخروج عن ذلك لتهديدات كبرى أو ما شابه ذلك. ما يعني، ان العمل للتهدئة في لبنان وبين لبنان والآخرين، سينعكس أيضاً على جهوزية لبنان لمرحلة التفاوض، بصورة ايجابية، وهو ما سيحكم مرحلة ما بعد أنابوليس، وما قبل وأثناء أنابوليس2 أو 3 أو 4.
جهد دولي مشترك لمنع الفتنة
وتكشف المصادر، ان أكثر من دولة فاعلة واجهت خلال الأسبوعين الماضيين معضلة التهديد الأمني الكبير للبنان. وقد جرى العمل لتحقيق تفاهم دولي ـ إقليمي بجهد لا يمكن وصفه. ولم يطل هذا الجهد مرحلة الانتخابات الرئاسية قبل نفاذ المهلة الدستورية للحكم السابق، انما تستمر الآن في مرحلة عدم التفاهم بعد على الرئيس الجديد. وكان لهذا المسعى أيضاً ترابط مع ضرورات الاستقرار في لبنان تحضيراً لأنابوليس ولاستئناف التفاوض لاحقاً على المسارات كافة. لذلك لم يتحقق السيناريو الذي كان مطروحاً في حال لم يتم التوافق على الرئيس العتيد قبل مغادرة الرئيس السابق إميل لحود قصر بعبدا، إذ لم تتشكل حكومة ثانية، ولم تحصل أي مظاهر في الشارع من شأنها تهديد الأمن.
وكل ذلك تم نتيجة جهد دولي حثيث ومشترك، أثمر في أن الحفاظ على الاستقرار والأمن هو مكسب جدي للبنان بحد ذاته.
وتشير المصادر، إلى انه من المبكر لأوانه الحديث عن أي انشقاق سوري ـ إيراني في الاستراتيجية أو التكتيك، على الرغم من ان المجتمع الدولي يرى ان إيران باتت في وادٍ آخر، وهناك العديد من البوادر، التي قد تعيد خلط المصالح السورية ـ الإيرانية، بالتوازي مع خلط الأوراق والمصالح والأولويات الدولية ـ السورية. لكن من الواضح ان الأفرقاء في لبنان بدأوا يعكسون في مواقفهم مفاعيل التطور الدولي ـ الإقليمي من جهة، وهناك مؤشرات لان تبدأ أفرقاء المعارضة اللبنانية تعكس في أدائها مرحلة جديدة متوقعة من العلاقات السورية ـ الإيرانية.
فأداء الجميع سيكون على وقع تقاطع المصالح والخيارات الإقليمية الدولية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.