تتجه الاهتمامات إلى النتائج التي سيحققها المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط الذي ينهي أعماله اليوم في أنابوليس في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي اعتقاد مصادر ديبلوماسية أوروبية ان لدى كل الأطراف المعنية بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، بما فيها لبنان، لها مصلحة في المشاركة في المؤتمر، حيث هناك تفاؤل كبير في ان تشكل مفاعيله نقطة تحول مهمة في إيجاد الحل لهذا النزاع، لا سيما في المرحلة الأولى لاطلاق التفاوض على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
كما سيقوم المؤتمر بطلب الدعم الاقتصادي من الأوروبيين للفلسطينين، من أجل إظهار نتائج ملموسة وإيجابية لمشاركتهم لا سيما إذا ما ابتعدوا عن "حماس" وكانوا أكثر اقتراباً من السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
ولا ترى المصادر، ان المؤتمر سيكون بلا طعم أو لون، لا بل على العكس فانه سيشكل برأيها خطوة إلى الأمام في ما يتصل بتأكيد الضرورات لدى كافة الأطراف بالحلول الواقعية خصوصاً في قيام دولة فلسطين، والاعتراف الدولي بإسرائيل.
هذا على الصعيد الفلسطيني، لكن على الصعيد اللبناني، فانه لو كان للبنان رئيس جديد للجمهورية وجرى التفاهم حول هذه المشاركة، ولم يتم اللجوء إلى التعطيل توصلاً إلى انتقاد هذه المشاركة، لكانت صورة لبنان في المؤتمر ظهرت في شكل أبهى. في حين ان دمشق التي اقتنعت بضرورة المشاركة، رأت فيها كسراً للعزلة الدولية المفروضة عليها، وقد تمسكت بذريعة بند الحل الشامل المطروح على جدول الأعمال، لكي تشارك على الرغم من أن أساس البحث في المؤتمر هو الموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وان أي دولة عربية لا ترغب في ان تحضر لتكون شاهد زور على أي اتفاقات محتملة بين الطرفين لا تأخذ في الاعتبار شمولية الحل.
استفزازية المعارضة لتعزيز المعنويات
لكن مشاركة لبنان التي حافظت على الثوابت العربية واللبنانية وجسدتها، في المداخلة المطلوب القاءها في المؤتمر، وفي اللقاءات الثنائية على هامشه والتي عقدها الوفد اللبناني برئاسة وزير الثقافة وزير الخارجية والمغتربين بالوكالة الدكتور طارق متري، لم تكن استفزازية لا للداخل ولا لأي طرف خارجي، بل ان ردود الفعل من المعارضة عليها كانت استفزازية، بغية تعزيز معنويات الصفوف وايهام الناس بالنسبة إلى تحقيق مكاسب داخلية أو القدرة على ذلك، والاستمرار في زرع الآمال لدى الصفوف بأن مرجعياتهم قادرة على تأمين منافع لهم، على الرغم من المقاطعة الشيعية للعمل الحكومي وخروج الرئيس السابق إميل لحود من قصر بعبدا.
فالطروحات اللبنانية في المؤتمر شددت على المبادرة العربية للسلام، وعلى تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، وذات الصلة بلبنان وما تبقى من أراض لبنانية تحتلها إسرائيل لا سيما مزارع شبعا وكفرشوبا والنقاط الحدودية الثلاث، وفقاً لما نصّ عليه القرار 1701.
القرارات الدولية ساهمت في الحل
ولاحظت المصادر الأوروبية، ان القرارات الدولية، لا سيما الـ425 و426 والـ1701، ساهمت في حل العديد من المشاكل بين لبنان وإسرائيل، لا سيما في موضوع إزالة الاحتلال والطلعات الجوية والخروق، لكن يلزم تثبيت وقف النار واستكمال تطبيق بنود القرارات المشار إليها متابعة لبنانية ـ دولية، وقد يكون إطلاق السلام الشامل على كافة المسارات فرصة جديدة لاستعادة الحق اللبناني، مثلما تسعى سوريا لاستعادة حقها في سيادتها على الجولان، والفلسطينيين في إقامة دولتهم. وقد استجاب لبنان للدعوة الأميركية إلى المشاركة في المؤتمر ولتمني العرب والمملكة العربية السعودية ومصر، وفرنسا وحضر المؤتمر، خصوصاً أيضاً أن لديه قضية جوهرية لحظتها المبادرة العربية للسلام، وهي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، إذ ان لبنان يرفض التوطين ويتمسك بذلك في ثوابته ودستوره.
والحضور السوري لدى واشنطن كان مهماً للغاية، ليس لبحث قضية الجولان المحتل في انابوليس، بقدر ما هو لهدف إنجاح المؤتمر انطلاقاً من تعويم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الذي يتراجع سياسياً، وبالتالي هناك رغبة اميركية في تحقيق انتصار سياسي له لأنه رجل أميركا في إسرائيل، والتعويم السياسي هو أحد الخيارات التي يتبعها القادة في إسرائيل لاعادة تعزيز اوضاعهم، فضلاً عن خيار الحرب كما حصل في قرار الحرب على لبنان الصيف الماضي.
الإشارات متبادلة على خط واحد
ولذلك، كان هناك رابط بين نجاح انابوليس وحضور سوريا لتعويم اولمرت، فجرى التراجع في لبنان عن خيار النصف زائداً واحداً لانتخاب الرئيس، بعد ورود إشارات قوية إلى أكثر من فريق داخلي وأوروبي ودولي حول انفلات الوضع إذا ما اعتمد هذا الخيار، وحيث كان وضع لبنان في مثل هذه الحالة سيؤثر سلباً على انعقاد انابوليس وانجاحه، كما كان سيؤثر سلباً على مشاركة سوريا فيه.
وتلاحظ المصادر الأوروبية ان ليس هناك فقط رسائل وإشارات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا، إنما أيضاً بين "حزب الله" وإسرائيل التي في كل مرة تؤدي سياساتها المعتمدة إلى تقويته، خصوصاً تجاه الداخل وهو الذي يعلن رفضه لحوارات السلام، وبعد حرب تموز التي استهدفت إسرائيل خلالها البنى التحتية التابعة للدولة، دخل الحزب بقوة في اطار المعارضة ضد الحكومة والأكثرية لاضعافهما ولا يزال في هذا المنحى حتى الآن، كذلك رفضت إسرائيل في وقت سابق التفاوض حول تبادل الأسرى مع الحكومة بطريقة غير مباشرة، وقبلت بذلك مع الحزب، حيث جرت عملية التبادل عبر الوسيط الالماني، وليس عبر الأمم المتحدة المعنية بالأمر وفق القرار 1701.
وتبعاً لذلك، ترى المصادر ان المعارضة تسعى للتهويل على الحكومة باستعمالها موضوع المشاركة في انابوليس وهي مدركة تماماً، لا سيما الحزب، لخلفيات موقف الحكومة المتمسك بالثوابت من جهة، وللعبة الاقليمية الدائرة بين سوريا وإسرائيل من جهة أخرى، والاستفادة المتبادلة بينهما من ظروف الآخر، ونقاط ضعفه.
لكن ما تم التفاهم حول قبل الذهاب إلى انابوليس اقليمياً ودولياً، هو معادلة ان لا لخيار النصف زائدا واحدا ولا لمشاكل واضطرابات على الأرض، كما ان هناك ضغوط عربية مورست على دمشق التي أبلغت بأنها ستتحمّل مسؤولية أي أحداث ستحصل في لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.