النتائج التي ستفضي إليها جلسة المجلس النيابي في الثلاثين من تشرين الثاني الحالي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، ستحمل في طيّاتها أبعاداً كبيرة، وستحدّد ملامح المرحلة المقبلة التي ستحكم الوضع اللبناني إذا ما تم الانتخاب، وإذا لم يتم.
وعلى الرغم من الاخراج السياسي للتعامل مع العراقيل الموجودة، وإعلان كل الأفرقاء انهم لا يزالون يفسحون في المجال أمام التوافق، بالتوازي مع إعلان واشنطن وباريس استكمال الجهود توصلاً إلى انتخاب الرئيس في أقرب فرصة فان مصادر ديبلوماسية عربية معتمدة لدى عاصمة فاعلة، تبدي قلقها الشديد حيال القبول الدولي بتجاوز المهلة الدستورية لوجود الرئيس الجديد في قصر بعبدا، ولو ان المساعي ستستكمل لتأمين انتخابه عبر التوافق ومجالاته. ولو ان الإحباط سُجلّ، لدى أكثر من طرف دولي أوروبي وروسي فضلاً عن الأميركي، من جراء تعذر وصول المبادرات إلى تقدم، معتبرين ان اطرافاً محليين يعتقدون انهم أكبر من الوطن وأكبر من أن يأخذوا بالاعتبار مبادراتهم التي توصل إلى حماية البلد وسط الأخطار الاقليمية والدولية المحدقة، والتي كانت الفكرة الأساسية وراء مبادرتها، هي منع الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى.
انطلاقاً من انه لا يجوز ان يبقى لبنان من دون رئيس في خضم الاستحقاقات المحيطة. كما ان علامات الاستفهام تناولت السبب الكامن وراء إدراج الجولان السوري المحتل في جدول أعمال المؤتمر الدولي حول السلام في الشرق الأوسط في أنابوليس الذي سينعقد الثلاثاء والاربعاء المقبلين، من دون تمرير الانتخابات الرئاسية في لبنان، مع العلم ان الجهد الدولي ربط دعوة سوريا إلى المؤتمر وإدراج الجولان على جدول أعماله بتعاونها الجدي والأكيد لإتمام انتخاب الرئيس في لبنان.
ومع ان قيادات لبنانية بارزة، تلقت خلال الساعات القليلة الماضية تطمينات أميركية مباشرة بأن لا تراجع دولياً حول إبقاء لبنان بكل تفاصيل قضيته أولوية دولية، وخصوصاً موضوع انتخاب الرئيس وان الإصرار الدولي باقٍ في حجمه ومعدله المرتفع لإجراء الانتخاب، فان المصادر، تفيد أن هناك احتمالات ثلاثة بسبب إعطاء المجتمع الدولي مزيداً من الوقت أمام التوافق وعدم حسم الموقف منتصف الأسبوع الماضي كما كان متوقعاً.
واشنطن تجهد لإنجاح المؤتمر
الاحتمال الأول: يقول بأن الاهتمام الدولي المباشر بالرئاسة سيستأنف بعد انتهاء أنابوليس التي ترغب الولايات المتحدة صاحبة الدعوة لعقده، في إنجاحه الذي يتطلب منها تخطي بعض الشروط التي كانت قد وضعتها حيال مشاركة بعض الدول. ومن الضروري ان ينتظر الاستحقاق الرئاسي انتهاء المؤتمر، ما دامت المبادرة الفرنسية لم تتوصل إلى نهاية جيدة، والوقت الفاصل عن الموتمر كان داهماً.
لذلك تعتبر جلسة الجمعة المقبل مفصلية، وتعطي أكثر من مؤشر بحيث انه إذا تم التوافق يعني ان مؤتمر أنابوليس كان فرصة لحصول توافق أميركي ـ سوري حول تمرير الرئاسة، وان لم يحصل الانتخاب، يعني ان الوضع اللبناني دخل مرحلة اخرى جديدة.
والاحتمال الثاني وهو الأكثر ترجيحاً، هو صعوبة حصول التوافق على الرئيس الجديد خلال جلسة الجمعة، وبالتالي، سيعكس هذا الاحتمال، عدم وجود حسم دولي ـ إقليمي حيال الموضوع اللبناني، وسيكون ذلك كنتيجة حتمية لعدم الحسم على مستوى قضايا المنطقة العالقة أو لعدم القدرة على ذلك، وسيجر ذلك لبنان إلى توافق داخلي بدعم دولي على التهدئة، وترك الأمور عالقة من دون حسم. وسيؤدي حصول ذلك إلى "ستاتيكو" قد يطول أو يقصر في الزمن بحسب التطورات الدولية ـ الإقليمية ويجعل لبنان من دون رئيس للجمهورية لوقت معين مع ما يحمله الأمر من إمكان وجود معطيات غير مستقرة وغير إيجابية لوضعه طيلة هذا الوقت.
اما الاحتمال الثالث: فهو التهيئة لإيجاد كل العناصر المؤاتية لإتمام تفاهم أو اتفاق، أو صفقة ما دولية ـ إقليمية من مؤثراتها إذا لم يتم التوافق على انتخاب الرئيس الجمعة، ترك هذا الأمر إلى حين وجود ظروف دولية ـ إقليمية أفضل ويستفيد لبنان من أي حوار دولي ـ إقليمي أو رخاء في العلاقات ما بين هذين الطرفين، منعاً لان تكون البلاد ساحة لصراعهما. لكن في الوقت نفسه، لا بد للقادة اللبنانيين وللحكومة اللبنانية من بذل جهد إضافي لإبقاء لبنان بعيداً عن أي صفقات تعقد على حساب مصلحته العليا.
مؤشرات مقلقة لكنها غير كافية لصفقة
وتؤكد هذه المصادر ان المؤشرات الموجودة لا تعتبر كافية للقول ان هناك تفاهماً غير معلن أو صفقة ستتم. والأرجح ان هناك تهدئة بشكل أو بآخر، كما انه من المستبعد جداً أن يتم أي تفاهم دولي ـ اقليمي مباشر أو غير مباشر، على حساب لبنان، ولن يكون هناك تراجع عن استكمال المنحى الاستقلالي والسيادي الذي يتم، على الرغم من عدم لجوء الأكثرية إلى الانتخاب بالنصف زائداً واحداً، وعدم اعتبار المجتمع الدولي ان ذلك هو الحل الوحيد، لكن من دون إسقاطه من خارطة الحسابات، كما انه لن يكون هناك عودة بلبنان إلى الوراء، وبالطريقة التي تمت في السابق.
وتبعاً لذلك، لا تنفي المصادر وجود مؤشرات مقلقة، إلا انها ليست كافية للاعتبار انها مكوّنات واقعية لصفقة ما.
ومن الأهمية بمكان، ان كل احتمال من هذه الاحتمالات له نتيجة مختلفة عن الأخرى بالنسبة إلى الوضع اللبناني كذلك الأمر بالنسبة إلى مفاعيل مؤتمر انابوليس والمنحى الذي ستسلكه التطورات في ضوء مواقف الدول المشاركة وطروحاتها وفي ضوء اللقاءات الجانبية التي ستعقد على هامشه، لاسيما تلك التي لن تكون معلنة، بما في ذلك الوساطات والجهود والمساعي في أكثر من اتجاه. ومن الضروري ان يكون للبنان تمثيل فاعل في المؤتمر، بحيث يكون حاضراً في منبر دولي لاعادة إطلاق السلام من جديد، بعدما تعثرت مفاعيل مؤتمر مدريد للسلام في المنطقة الذي عقد في العام 1991، وحضوره يمكنه من التنبه لأي تطوّر، ودرء مخاطر أي تفاهمات كما يمكنه أن يثبت دوره المرتقب في المنطقة والمستفيد من أي تحالفات جديدة أو فك تحالفات تقليدية في المنطقة أو حصول تعديلات أو تغييرات محددة حيالها، لكي يطوي صفحة انه بامكان أي طرف التعامل مع لبنان كبلد يتكبد دائماً الخسائر والأثمان ولكي يضع حداً نهائياً لذلك.
وتلفت المصادر إلى وجود عناصر لمتغيرات وتعديلات يجب تقويمها لدرس مدى ثباتها أو اعتبارها مرحلية عشية انعقاد المؤتمر، فهناك جدّية اسرائيلية باستئناف المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي ويقابل ذلك من الجانب السوري تخفيف الضغوط أمنياً في العراق حيث تراجعت أعمال التفجيرات بالتعاون مع الجانب الايراني، كذلك في الأراضي الفلسطينية وتوج ذلك بالتراجع لدى منظمة "حماس" عن الاجتماع الذي كان مقرراً أن تعقده للفصائل التي تتأثر بالنفوذ السوري. وقد قابلت واشنطن الجدية الإسرائيلية هذه برضا.
ثلاثة مواضيع في انابوليس
وبالتالي، فإن جدول أعمال انابوليس تضمن ثلاثة مواضيع أمكن من خلالها بحث الجولان السوري المحتل، وهي:
ـ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية وإعادة إطلاقها.
ـ البُعد الاقتصادي للسلام في المنطقة.
ـ السلام الشامل، ويشتمل هذا الجزء على بحث المسارين السوري واللبناني مع إسرائيل، لأن السلام لن يكون شاملاً من دونهما، وسيطرح العرب المدعوين لدى نقاش هذا البند، تنفيذ المبادرة العربية للسلام لحل شامل ودائم للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، وهي المبادرة التي أعادت قمة الرياض العربية تفعيلها، وتبعاً لهذا الجزء يمكن لسوريا طرح قضيتها، كما يمكن لبنان طرح قضاياه، وجهوزيته التامة للمؤتمر تبدو محورية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.