من الآن وحتى عودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت في 21 تشرين الثاني الحالي، ينتظر ان تبلور القيادات اللبنانية ردود فعلها النهائية على ما ستتضمنه لائحة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير من أسماء مرشحين للرئاسة، وتسلّط الأضواء بصورة خاصة، على نتائج اللقاء الذي سيعقده رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مع رئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري، والذي تفيد أوساط وزارية انه سينعقد بصورة غير معلنة في هذه المرحلة، وانه قد يليه لقاء آخر، أو ربما أكثر، وإذا ما تم الاتفاق على اسم محدد، فمن شأن ذلك ان يقرّب موعد جلسة الحادي والعشرين الانتخابية، وتبعاً للأمر فقد يقرّب كوشنير بدوره، موعد عودته إلى بيروت لمواكبة ولادة انتخاب الرئيس الجديد، والحكم الجديد في لبنان عن كثب.
وإذ لاحظت الأوساط، ان كتماناً شديداً لا يزال يحوط اللائحة والأسماء وردود الفعل الواضحة حيالها، كما ردود الفعل العربية والدولية، أشارت إلى ان ضمان مسار المبادرة والسعي لإنجاحها يتطلب مثل هذا "الدخان" لحمايتها.
وفي كل الأحوال فإن المراوحة تبقى قائمة بين احتمالي النجاح وعدمه، وكل الأفرقاء تتحدث بلهجة لا تسقط أي من الاحتمالين من حساباتها.
الجميع على مسافة واحدة من الاتفاق أو عدمه
وبالتالي، فإن الجميع على مسافة واحدة من احتمال التوافق أو عدمه، لكن الفارق هو ان آلية التوافق قد طرحت على السكة ويجري حض الأفرقاء للتفاهم حولها، لكن ما هو غير واضح الضمانات حيال البدائل في حال لم يحصل التوافق، وهذه نقطة جوهرية في مسار الاستحقاق ترتسم حولها علامات استفهام كبيرة.
ويرتبط موقف قوى الأكثرية من اللائحة بمسألتين أساسيتين: الأولى في الأسماء التي تشملها وقناعاتها، والثانية في إمكانات التوافق على المواصفات والالتزامات التي تحملها هذه الأسماء.
وبالنسبة إلى الإدارة الأميركية، فإن الفرصة لا تزال معطاة للديبلوماسية الفرنسية التي إذا ما توصلت إلى حل بالتفاهم بين اللبنانيين، فإن هذا الحل سيلقى تأييداً كبيراً وواسعاً دعماً له. لكن وفي الوقت نفسه، يفترض، استناداً إلى مصادر ديبلوماسية غربية، ان يترقب اللبنانيون مسألة ما إذا كان الأميركيون يعتقدون ان احداً يقدر فعلاً على التوصل إلى حل والمساهمة الحقيقية في صياغته.
كي مون والعامل اللبناني
وفي إطار الهامش الذي خلقته المبادرة الفرنسية، يتحرك أكثر من طرف دولي وعربي فاعل من أجل إنجاز الإستحقاق الرئاسي، الذي يحتل أولوية دولية ويلقى عناية فائقة. وتندرج زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في سياق شعور المنظمة الدولية ومجلس الأمن، ان هناك أياماً مفصلية يمر بها لبنان، وان تأدية دور تبدو واجبة وضرورية إذا ما كانت قضية التفاهم على الرئيس متوقفة في هذه المرحلة، وما بعد تقديم لائحة البطريرك، على رأي الأفرقاء.
وهناك مسعى اضافي يقوم به كي مون للتوفيق بين هؤلاء، وتغليب العامل اللبناني في الحل على العوامل الاخرى، والذي لا أحد يمكنه ان يجزم حتى الساعة بأن هذا التغليب هو كافٍ، وبالتالي يعمل كي مون، وكذلك وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما الذي يصل إلى بيروت بعد ظهر اليوم، على تشجيع الأطراف على إجراء الانتخابات وعلى المساهمة في طرح الأفكار التي تسهّل إجراءها إنطلاقاً من المبادرة الفرنسية.
وترى المصادر الغربية، ان الأيام المقبلة ستشهد اهتماماً اضافياً دولياً وعربياً بالملف الرئاسي، إذ يسود الترقّب للموقف في لبنان، في ضوء الاعتقاد الذي يقول ان الكرة هي في الملعب اللبناني. وتؤيد روسيا الاتحادية هذا المنحى، وهي تعتبر ان هناك تجاوباً سورياً مع الفرنسيين، وان موسكو لم تقطع اتصالاتها بدمشق خصوصاً في ملف الرئاسة إنطلاقاً من ان موقفها هو جزء لا يتجزأ من موقف المجموعة الدولية، ويمكنها بالتالي نقل الرسائل الدولية إلى دمشق بطرق تنبثق من العلاقات التي تربط بينهما، كون روسيا المحاور الدولي شبه الوحيد مع سوريا ويهمها حصول الانتخابات وعدم خلق بؤرة توتر في لبنان. فهناك رهان دولي كبير على قدرة اللبنانيين على استعادة وحدة الصف ومواجهة التحديات والالتزامات.
وتبعاً لذلك، تشير المصادر، إلى انه لا يمكن للبنان ان يواجه تطوّرات كبيرة تحصل في المنطقة بلا رئيس للجمهورية. ففضلاً عن التحديات الداخلية، هناك التحديات الخارجية، والقضايا التي تشغل بال العالم والتي قد يتعاظم الاهتمام الدولي بها إذا ما حصل أي تصعيد في أي موقف. فهناك الملف النووي الإيراني، و"شدّ الحبال" القائم وضرورة ان يمرّر الاستحقاق الرئاسي قبل أي تطوّر سلبي. وقد تم الربط بالنسبة إلى روسيا بين الموضوع النووي الإيراني والدرع الصاروخي الأميركي في أنحاء أوروبا، وتوازن الخوف والتهديدات وعدم القبول بها، وانه إذا كان من حق لدى أميركا وإسرائيل حيال النووي، فإن لدى روسيا أيضاً الحق في عدم قبول بالدرع الصاروخي لانه يمثل مساساً بأمنها الوطني. وبالتالي فإن الوقت لا يزال ملائماً أمام لبنان لتحقيق مكسب إنجاز انتخابات الرئاسة، قبل أي تطور محتمل حول المواضيع الدولية ـ الإقليمية.
كذلك، وفي إطار ضرورات تمرير الاستحقاق يندرج الموقف الحالي بين تركيا والأكراد العراقيين، إذ انه ليس صدفة ان يتم العمل في إطار التصدي لهذه المشكلة، ان تتجمع قرب حدود جارة لإيران قوة كبيرة من الجيش التركي الحليف لحلف شمال الأطلسي، والذي مصدر سلاحه الولايات المتحدة الأميركية، وتداعيات كل ذلك لن تكون سهلة على الدول المجاورة ومن بينها لبنان. وهنا يفترض الاستفادة من الظرف الراهن، حيث يلتقي الموقف الدولي برفض ان يكون لبنان بؤرة للتوتر، مع الموقف الإيراني، الذي الأولوية لديه هي لموضوعه النووي المفتوح على أخطار شتّى، وليس للإنجرار إلى النزاع الطائفي في لبنان يحول اهتمامات طهران عن قضيتها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.