تتجه الاهتمامات إلى ما يمكن أن تحققه المبادرة الفرنسية حول الاستحقاق الرئاسي في لبنان، مع توقع وصول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت خلال الساعات المقبلة، وبعد أيام قليلة على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي إليها، وسط عدم بروز أي مؤشرات حول زيارات أميركية رسمية محتملة.
وتحمل الزيارة مدلولات عديدة، في مقدمها، المحاولات التي سيقوم بها كوشنير مع الفرقاء اللبنانيين للحصول على ضمانات كافية تجعل البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير يقبل بإنجاز لائحة من أسماء المرشحين المقبولين لرئاسة الجمهورية.
وتشير مصادر غربية واسعة الاطلاع إلى ان كوشنير سيستبق زيارته لبيروت باتصالات اقليمية، وأخرى دولية لاسيما مع الولايات المتحدة، هدفها توفير الضمانات الخارجية التي تجعل بكركي متحمّسة لتقديم لائحتها، لما للترابط والتداخل بين الضمانات الخارجية والداخلية من تأثير من خلال نجاح المسعى الفرنسي، سيتكشف مدى التحرك الذي تقوم به باريس وهامشه، لاسيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية في ظل مفاعيل القمة الأميركية ـ الفرنسية، وإعطاء واشنطن لباريس مزيداً من الضوء الأخضر لاستنفاد كل الوسائل التوفيقية، من دون أن يكون هذا المنحى، في اطار التفويض الأميركي لفرنسا من دون سقف محدد سلفاً.
سقف الثوابت الأميركية
بل ان التحرك الفرنسي يبقى محكوماً بسقف الإصرار الأميركي على رئيس جديد للبنان في 24 الشهر الجاري. ورئيس يجسّد الاستقلال والسيادة وقادر على الالتزام بتطبيق كل القرارات الدولية المتصلة بلبنان، خصوصاً موضوع المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. والجميع يدرك جيداً الدور الفرنسي في صدور تلك القرارات وتُعَد فرنسا أب القرار 1559، وساهمت بشكل جذري في القرارات الأخرى، ولديها مسؤولية مباشرة حيال تنفيذها. وما دامت الولايات المتحدة تتعامل مع الرئاسة في لبنان من منطلق التحوّل السياسي العام الذي جسّده القرار 1559، وما دام الاتفاق والتنسيق تامَين بين واشنطن وباريس حول لبنان، فإنّ هامش المبادرة الفرنسية لن يكون موسعاً بصورة غير متناهية، خصوصاً وأن الحليف الأساسي لفرنسا، حدّد اطاراً لمسعاها لا يمكن اختراقه.
إذا لا يوجد تفويض، انما ثقة تامة بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وبمواقفه الممتازة والصلبة وذات الصدقية بالنسبة إلى الرئيس جورج بوش وإدارته. وبالتالي سيستمر المسعى الفرنسي مكثفاً حتى تسهيل تحقيق الانتخابات الرئاسية إلى أبعد مدى ممكن، من دون التنازل عن "كلمة واشنطن الأخيرة" التي بدأت تتبلور منذ لقاء اسطنبول وانعقاد القمة الأميركية ـ الفرنسية، وصولاً إلى موقف مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ولش، الواضح حيال ذلك. في رغبة من واشنطن ان تقوم فرنسا بما هي منغمسة به في مجال المسؤولية التاريخية والمعنوية حيال الوضع اللبناني، وليس فقط بسبب وجود قواتها ضمن القوة الدولية العاملة في اطار "اليونيفيل" لتطبيق القرار 1701.
تهديد مباشر لدمشق
وكان الدور الفرنسي أيضاً ناقلاً لرسائل أميركية الى دمشق حيال الاستحقاق وان تم اثرها الخروج بموافقة الأخيرة على آلية للحل تطرحها فرنسا وتقوم بتسويقها.
اذ ان هذه الرسائل تضمنت شبه تهديد مماثل، لما تبلغه وزير الخارجية السوري وليد المعلم من وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مباشرة، وبأن الخيارات ليست كثيرة امام دمشق اذا ما استمرت في عرقلة التوافق على الانتخاب.
وتؤكد المصادر، ان التوافق الفرنسي مع دمشق على إيجاد آلية، لا يعني تحقيق اختراق جوهري او تقدم جدي يمنع دمشق من العرقلة، لا بل ان الاخيرة تستفيد من فرصة اللقاءات مع المسؤولين الفرنسيين للمناورة ايضاً، الأمر الذي يدفع البطريرك الماروني الى التمسك بقوة بالضمانات المطلوبة لاعلان لائحته، منعاً لتحميل دور بكركي اي مسؤولية سلبية يعمل اكثر من طرف لرمي الكرة في ملعبها، من هنا بذلت مساعي فرنسا على خط المعارضة المسيحية، من باب التهديد الذي يواجه الوجود المسيحي وما يمكن لهذا العامل الذي يهتم الفاتيكان جداً اليه، من توفير ضمانات من هذا الجزء من المعارضة، قابلتها مساعي فرنسية لأن تقدم الاكثرية مواقف تسهيلية لإشراك الطرف الآخر.
ولأسباب عديدة متصلة بشخصية البطريرك، وقاعدة بكركي، وغيرها لا يمكن لهذه المرجعية المعنوية الدينية ان تحمل فشل اي مبادرة، خصوصاً اذا ما رمت أي جهة اقليمية الامر عليها لإظهار ايجابية شكلية، واظهار انها ليست المعترض على انجاز الاستحقاق، وما يزيد في هذا المسعى رمي دمشق على رئيس مجلس النواب نبيه بري، اتخاذ الموقف اللازم من الآلية التي ستنجز، من دون اللجوء الى توضيح صورة موقفها الحقيقي حيال الأسماء المطروحة.
الا ان المصادر، تشير الى تأكيد واشنطن، ان سوريا لم تعد الناخب الاساسي للرئاسة في لبنان، وان الزمن قد تغير، وان اسم الرئيس بالنسبة اليها لن يكون اهم من المبادئ والالتزامات التي يؤمن بها وسيتعهد بتطبيقها. لذلك لدى فرنسا هامش معقول من التحرك في اتجاه الاسماء من دون التنازل اطلاقاً عن المواصفات السيادية والالتزام بالقرارات الدولية التي تهم واشنطن.
وأجرت الادارة الاميركية تقويماً لكل الاحتمالات وردود الفعل والتحركات في حال لم تنجح مساعي التوافق، واضطرت الاكثرية للانتخاب منعاً للفراغ. وخلصت في تقويمها الى انه لا بد من تحديد الخيارات وسط كل انواع "الشرور" المحيطة في الاساس بالاحتمالات كافة. وبالتالي اختارت دعم وصول رئيس جديد للبنان الى سدة الحكم، في خيار ينسجم تماماً مع الالتزامات الاستراتيجية والمبادئ الاساسية التي لدى الادارة خارجياً والتي لا يمكن التنازل عنها. وستتخذ كل الاجراءات، والتي لن يعلن عنها، لدعم هذا الخيار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.