8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الاستحقاق الأول أمام الحكم الجديد حول المحكمة ابرام اتفاقية المقرّ ومجلس الأمن على جاهزيته

لعل أوّل استحقاق سيواجه الحكم الجديد في لبنان على صعيد استكمال مراحل إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الإرهابية الأخرى، هو إبرام لبنان لاتفاقية المقرّ التي ستوقّع بين الأمم المتحدة وهولندا لاستضافة الأخيرة مكان المحكمة.
ذلك ان هذه الاتفاقية التي ستوقع قريباً بين الطرفين، يلزم المصادقة عليها من جانب لبنان لأنها تعني جريمة كبيرة هزّت أمنه واستقراره وربطت بالجرائم الأخرى التي اتبعت والتي أدّت إلى اغتيال أو تضرّر شخصيات أخرى ومواطنين في لبنان.
إلا انّ الحكم الجديد الذي يرتقب أن يلتزم بالقرارات الدولية كافة، وبموضوع معرفة الحقيقة في الاغتيالات ومحاكمة المجرمين من الطبيعي أن يعمل لابرامها في المجلس النيابي اللبناني بحيث يتوقع أن يتجسّد الاجماع حول المحكمة بالفعل، ولن تقوم الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي باسترداد الاتفاقية التي ستُعرض على لبنان لابرامها وفقاً لنص إنشاء المحكمة، إلا إذا واجه هذا الاجراء، لا سمح الله، فشلاً لدى السلطات الدستورية اللبنانية، على غرار إبرام مسودة إنشاء المحكمة، قبيل صدور القرار 1757 الذي أقرّت من خلاله المحكمة تحت الفصل السابع في مجلس الأمن، عندما واجه ذلك فشلاً في لبنان.
الحل في نص القرار 1757
وبالتالي، تؤكد مصادر ديبلوماسية قريبة من الأمم المتحدة ان القرار 1757 أوجد حلاً لدى حصول أي عراقيل تفصيلية في سياق مراحل إنشاء المحكمة، لاسيما في الأمور المتصلة بموافقة السلطات اللبنانية. وليس هناك من معضلة على الاطلاق، فإنّ ما لا يمكن للبنان أن يبرمه، خصوصاً على النحو المتوخى في المادة 8 من نص نظام المحكمة فإنّه يجري تحديد موقع مقرّ المحكمة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، ويكون ذلك رهناً بإبرام اتفاق للمقرّ بين الأمم المتحدة والدولة التي تستضيف المحكمة، وذلك استناداً إلى الفقرة "ب" من القرار 1757. لذلك يتخذ مجلس الأمن قراراً جديداً في هذا الشأن يستكمل من خلاله الخطوات لإنشائها. مع العلم ان القرار 1757 نصّ على حلول لمختلف العراقيل المحتملة حول إقامتها.
وتتواصل الإجراءات لدى الأمم المتحدة لاقامة المحكمة وهي تسير من دون تأخير، وقد حققت تقدماً واضحاً سيلحظه التقرير الثاني للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول مجريات تطبيق القرار 1757، الذي سيحيله في بداية كانون الأول المقبل إلى مجلس الأمن الدولي للنظر به واتخاذ الموقف اللازم. فالأمم المتحدة باتت على أبواب توقيع اتفاقية المقرّ مع هولندا، واختيار المدّعي العام والقضاة اللبنانيين والدوليين، في المحكمة باتت مسألة منتهية، ولن تعلن الأسماء إلا لدى تقدم إنشاء المحكمة بصورة جوهرية، لأسباب متصلة بأمنهم. فضلاً عن ان موضوع التمويل قد اكتمل مبدئياً للسنة الأولى من عمل المحكمة، ولا يزال صندوقها يستقبل المساهمات الدولية للسنة الثانية.
تقرير براميرتس يشرح التقدم دون اتهام ويسبق هذا الموعد تقديم رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة سيرج براميرتس تقريره الأخير حول مجريات التحقيق في السابع والعشرين من تشرين الثاني الحالي، على أن ينظر فيه مجلس الأمن في جلسة يجري تحديد موعدها في وقت لاحق. والتقرير الأخير لبراميرتس يعود للسبب المتعلق بانتهاء مهمته كرئيس للجنة منتصف كانون الأول المقبل.
ووصفت المصادر ملامح بأنه سيكون ذات طابع مرحلي وتقني، وانه سيعلن عن التقدم المحرز في التحقيق من دون أن يعطي أسماء أو اتهامات، لكن في الوقت نفسه سيقدم معطيات جديدة تصبّ في خانة تعزيز معلومات التقارير السابقة واتجاهاتها، كما سيتناول التعاون السوري مع مقتضيات التحقيق وسيطلب مزيداً من التعاون من دمشق.
وأوضحت المصادر ان التقدم في إنشاء المحكمة وما سيعكسه تقرير الأمين العام المقبل حول ذلك، سيحدد ما إذا التقرير سيكون الأخير للجنة أيضاً وليس فقط لبراميرتس كون مهمته اقتربت من نهايتها. مع الإشارة إلى ان براميرتس أرجأ تقديم تقريره نحو أسبوعين لكي يتزامن ذلك مع اقتراب انتهاء منصبه.
أولوية الصدقية
وهناك أولويتان لدى الأمم المتحدة في مجال التحقيق والمحكمة هما:
ـ تعيين المدّعي العام في المحكمة، وهو الذي سيُعيّن في الأساس خلفاً لبراميرتس، أي رئيساً للجنة التحقيق، وكلما كانت مقتضيات استكمال التحقيق قائمة، قام رئيس اللجنة الجديدة بمهمته هذه، لأن تشكيل المحكمة على أهميته يتطلب أن تكون عناصر القرار الاتهامي جاهزة، ولا فائدة من تحويل التحقيق إليها في حال أطلق عملها، إذا لم يكن منجزاً ولكي تنجزه هي. لذلك، ان التوازي بين ضرورات انتهاء التحقيق وبدء عمل المحكمة مسألة واقعية، تضاف إلى الإجراءات الإدارية لمسار إطلاق عمل المحكمة. كما انه لتعيين خلف لبراميرتس، هذا الشهر، أهمّية كبرى، بسبب دواعي تسلّمه ملفات التحقيق مباشرة منه وقبل انتهاء مهمّته، في اطار عدم إضاعة الوقت خلال هذه العملية. هذا من جهة، ولتسريع التعاون المطلوب بين اللجنة والمحكمة من جهة ثانية.
ـ تهتم الأمانة العامة بصورة جدّية وفائقة لأن تقوم المحكمة وفقاً لإجراءات تجسّد حياديتها ونزاهتها وعدم تسييسها لتأكيد صدقيّتها الدولية، ولإبعاد أي مجالات للشكوك عنها، وهذا المنحى يفيد لبنان بقوّة، وأصحاب القضايا المعروضة للمحاكمة فيها، وبالتالي فإنّ المواقف الدولية التي دعت لتسريع إنشائها نتيجة استمرار أعمال الاغتيال في لبنان، وهي جاءت على خلفية سياسية بأنّ المحكمة هي الحل الوحيد لوقفها، محقّة، لكن الأصول الإدارية تحتم الوقت الكافي لإنشائها دون السقوط في مسألة التأخير الذي لا يريده أحد.
لذلك إن الفكرة التي طرحت في مرحلة سابقة الشهر الماضي لدى بعض الدول، بهدف إبطاء تشكيل المحكمة مقابل أن تسهّل سوريا إجراء الانتخابات الرئاسيّة في لبنان، لم تلق تجاوباً، وهي غير مفيدة حتى للمتضررين من المحكمة، لأنّ عملية الإبطاء شهرا أو شهرين لا يؤثر في النتيجة ولا في مَن يخاف من قيامها ولو بتأخير استحقاقاتها.
وعلى العكس، فإنه تأكد للدول ان الضغط لإبطاء تشكيلها لن يكون عاملاً إيجابياً لتسهيل موضوع الرئاسة ويجب الاستمرار في إجراءات تشكيلها والوصول إلى النتائج والأدلّة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00