يتواصل الجهد الأميركي الفرنسي، ومعه الأوروبي والعربي، بصورة حثيثة بهدف إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في إطارها الدستوري، وتأمين تفاهم الفرقاء اللبنانيين على اسم الرئيس الجديد، كون هذا الاستحقاق مترابط في مؤثراته مع العديد من العناصر الداخلية التي ساهمت حتى الآن في إبقاء حالة من الاستقرار والأمن، رغم التهديدات والاستهدافات الأمنية التي تمت.
وثمة محور أساسي جرى التفاهم حوله بين واشنطن وباريس، وبالتنسيق مع الدول الأخرى المهتمة فعلاً بالاستقرار في لبنان، في إطار "اللوبينيغ" في شأن الاستحقاق الرئاسي الذي بدأ عملياً تنفيذه، هو ضرورة العمل من أجل خلق الظروف الايجابية التي تسمح بإنجاز الانتخابات التي يجب أن تساهم في استكمال مسيرة لبنان في الاستقلال والسيادة والاستقرار والازدهار الاقتصادي. ذلك أنه في ضوء ضعف الحظوظ أمام جلسة المجلس النيابي الثلاثاء المقبل في 23 تشرين الأول الحالي لاتمام الانتخاب، لا بد من توفير مزيد من الفرص أمام التسوية السياسية الداخلية بمواكبة المشاورات والاتصالات التي تقوم بها دول في هذا "اللوبي الدولي" حول لبنان، مع إيران وسوريا لتسهيل التفاهم الداخلي وعدم عرقلته. بحيث يمكن أن تبلور اللقاءات والاتصالات تفاهماً ما تحدد في ضوئه جلسة نيابية يتم خلالها انتخاب الرئيس في منتصف تشرين الثاني المقبل.
وفي إطار هذا التنسيق، أنهى وزراء خارجية فرنسا برنار كوشنير، واسبانيا ميغيل انخل موراتينوس، وايطاليا مايسمو داليما محادثات لهم في بيروت مع كافة الأطراف، توجت بلقاء قيادات الحوار الوطني في قصر الصنوبر.
وأفادت مصادر ديبلوسية غربية، أن المسعى الثلاثي الأوروبي، هدف الى التأثير الايجابي في عملية التفاهم بين الفرقاء اللبنانيين على الرئيس ومواصفاته، انطلاقاً من مسألة أن أي فراغ دستوري في موقع الرئاسة الأولى، وغياب وجود الرئيس ستكون لها انعكاساتها على الوضع الداخلي حيث سيزداد عمق الانقسام مع ما يولده من احتمالات حول نشوء اضطرابات وفوضى تؤثر على الاستقرار العام في لبنان والمنطقة، وعلى الاستقرار الذي يجب أن يحوط بالمعادلة التي قامت على أساسها القوة الدولية العاملة في إطار الأمم المتحدة "اليونيفيل"، وفقاً لمقتضيات القرار 1701، مضافاً الى ما يمكن أن ينشأ من خلال تعطيل استكمال تنفيذ القرار 1559، لا سيما البند المتصل بالرئاسة.
التأثير للمشاركة معاً
وتبعاً لذلك، هدف اجتماع الوفد الثلاثي مع القيادات، الى تسهيل التوصل الى نقاط مشتركة وتقريب وجهات النظر، في ضوء المبادرات المطروحة، من تلك التي قدمتها بكركي، الى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلاً عن ضرورات التزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية والتي لا مفر من تنفيذها.
وقصد الوزراء الثلاثة، استناداً الى المصادر، أن تكون لمشاركتهم معاً، كممثلين لثلاث دول طرحت أخيراً أفكاراً ومبادرات للحل، التأثير في مواقف القيادات اللبنانية بصورة تحقق تقدماً في عملية التفاهم المطلوبة تمهيداً لإخراج حل نتيجة لذلك. وأبلغ الوزراء الثلاثة المسؤولين اللبنانيين كافة، قلقهم حيال احتمال يبقى قائماً لجهة عدم انعقاد جلسة الانتخاب، ومدى التأثير الذي تقوم به الجهة التي تريد التعطيل إذا لم تتوافق الأكثرية معها على أساس مواصفاتها وطروحاتها. وأن مبادرة الوزراء الثلاثة جاءت بعد تقييم وافٍ للوضع اللبناني والأزمة التي تعيق الاستحقاق، وتحركوا في اتجاه لبنان على هذا الأساس، واثر اتصال أجراه كوشنير بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، وقبيل اللقاء المرتقب بينهما في تركيا.
الخوف من نقطة اللارجوع
ورغب الوزراء الثلاثة، في حض الفرقاء على الوفاق والتفاهم وايجاد صيغة توفر ذلك، انطلاقاً من وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية، والسعي للتأثير على الجميع تلافياً أن تصل الأمور الى نقطة اللارجوع. وسمع الفرقاء كافة رسالة أوروبية ذات خلفية دولية، مفادها أن الدول التي ساعدت لبنان للخروج من حرب تموز 2006، ووفرت الاستقرار عبر المساهمة بقواتها وجنودها لدعم الأمن والسلم، ولبت النداء من الأمم المتحدة لهذه الغاية، ودعمت وتدعم مالياً انتداب هذه القوة ومهمتها ودورها، ترى نفسها معنية مباشرة ومسؤولة حيال مصير لبنان وأوضاعه، وهي لن توفر فرصة لحث اللبنانيين أنفسهم على أن ذلك في الأساس هو مسؤوليتهم، التي من الواجب احترامها. وأن الدول التي أرسلت جنودها أي أولادها للدفاع عن استقرار لبنان ولدعم السلم والأمن فيه بسبب الثقة بهذا البلد، لها وزنها الدولي، ومن المؤكد أن لها تأثيرها لدى كل الفرقاء وموقعها للأخذ بالاعتبار موقفها وإصرارها على إنجاز الانتخاب، ومنع حصول أي ثغرات يمكن أن تدخل منها الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي، وتأثيراتها في التعامل الدولي مع لبنان. مع العلم، أن الوزراء الثلاثة أبلغوا الجميع أن تحركهم لا يهدف الى التدخل بالأسماء، إنما الى التحذير من الفراغ الذي يهدد السلام الداخلي، وهم يتركون لكافة الفرقاء التفاهم وتوحيد القرار حول اسم الرئيس. وكذلك التحذير من أن الترابط بين الفراغ وعدم الاستقرار قد يفتح الباب مجدداً الى دخول أكثر من عامل في المنطقة على خط الوضع اللبناني والخوف إذ ذاك أن يصبح هذا الوضع خارجاً عن السيطرة.
وتؤيد واشنطن، المسعى الأوروبي، على أساس أن كل الفرص يجب تقديمها لكي لا يكون هناك أي ثغرة في التعامل مع هذا الاستحقاق تؤدي الى الوقوع بمشاكل لاحقاً. وهذا المنحى يتعمق في المرحلة الحاضرة، نتيجة أيضاً للمحاذير اللبنانية التي استمعت اليها الإدارة الأميركية، والاحتمالات، حول ردات الفعل من المعارضة، إذا لم تعطَ الفرص حتى النهاية في مجال الإطار الدستوري المتاح. وتدرك الإدارة تماماً، المحاذير والخلفيات وبأن العرقلة الداخلية الاقليمية هي المشكلة وليست في الدعم الدولي الذي يحظى به الاستحقاق بلا منازع. لكن واشنطن أبلغت تحذيرات واضحة من حصول حكومتين، ورفضها للفراغ، والتزامها بنتائج المساعي والمبادرات لايجاد حل سلمي لحصول الاستحقاق كما يجب، وإفساحها في المجال لخلق ظروف ايجابية لإنجازه. لكن موقفها أكثر رسوخاً، في أنه إذا لم يتم التوصل الى مرشح وفاقي، فإنها ستدعم قرار الأكثرية في النتيجة، وعلى الأكثرية في هذه الحال أن تضع أهدافها وسط تبادل وجهات النظر معها حول الخطوات الداعمة وسبل بلورتها بغية عدم خسارة إنجازات الاستقلال ومفاعيل السيادة والديموقراطية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.