تمر الاستعدادات لانتخاب رئيس جديد للبنان، في أدق مراحلها، وسط بروز أكثر من علامة استفهام حول مصير الجلسة النيابية المحددة في 23 تشرين الأول الجاري للانتخاب، والتعقيدات التي لا تزال تحول دون التوصل الى التفاهم الداخلي لتظهير صورة هذا الاستحقاق.
وهناك نقاط تقاطع في مواقف أكثر من مرجعية ديبلوماسية معنية وأوساط سياسية محلية، حول ان جلسة 23 الجاري لن تؤدي الى حصول الانتخاب، وان ثمة توجهاً يتم الاعداد له، بأن يعلن نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري انعقاد الجلسة الأولى للانتخاب من دون أن تتمكن من تحقيق النصاب الدستوري المطلوب وهو ثلثا أعضاء المجلس النيابي. وتفيد المعطيات لدى هذه المراجع، أن الجهود الداخلية التي سيواكبها حشد التحرك العربي والدولي لتمرير الاستحقاق، ستتكشف بدءاً من مطلع تشرين الثاني المقبل، بحيث تتضافر المساعي لانجاز وفاق حول الاستحقاق، لا تزال كل الجهات الخارجية المهتمة بالاستحقاق تدعم تحقيقه، وتقف الى جانبه كخيار أساسي له الأولوية على ما عداه من الخيارات، نظراً الى ارتباط ذلك مباشرة بالاستقرار اللبناني، وتفويت الفرصة على الاضطرابات والفوضى حتى ولو تم في الأيام العشرة الأخيرة من العهد الحالي.
والأسباب الكامنة وراء استبعاد حصول انتخاب في جلسة 23 الجاري هي:
ـ ان استئناف الحوار بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية النائب سعد الحريري سيتم بعد عيد الفطر المبارك، أي على مسافة زمنية بنحو أسبوع قبيل الجلسة. وهذه الفترة ربما لا تكون كافية لإنضاج التفاهم، ووقف عملية التصعيد المتبادل لتجميع كل فريق أكبر قدر ممكن من الأوراق السياسية في حوزته.
ـ ان التفاهم المسيحي الداخلي والماروني تحديداً، حول منصب الرئاسة لا يزال يلزمه مزيد من المشاورات في ضوء إرجاء انعقاد لقاء البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير مع القيادات المسيحية المعارضة. وهذا المسعى الذي تجري التحضيرات له، بناء على الدور الارشادي التوفيقي الذي يعود لموقف الفاتيكان، المواكب من كثب لتطورات الوضع، سيستكمل ومن غير الواضح ما إذا كانت نتائجه ستظهر قبل جلسة 23 الجاري.
واشنطن لم تقل كلمتها بعد
ـ ان الادارة الأميركية التي تدعم بقوة إجراء الانتخابات الرئاسية في إطارها وموعدها الدستوريين وبمواصفات سيادية استقلالية للرئيس العتيد، لم تقل كلمتها الأخيرة. وهذا الأمر لن يتم قبل مطلع تشرين الثاني المقبل. وهي مستمرة حالياً في مراقبة الجهد الفرنسي ومواكبته، والآخر السعودي حول الاستحقاق تمهيداً للتدخل في المرحلة اللاحقة والضغط في اتجاه منع العراقيل والتدخلات التي تحول دون وجود رئيس وفاقي سيادي يحفظ استقلال لبنان ومساره الديموقراطي.
ـ ان الزيارة المقررة مبدئياً في 19 تشرين الأول الجاري لوزراء خارجية فرنسا برنار كوشنير، وإيطاليا ماسيمو داليما، وإسبانيا ميغيل أنخل موراتينوس، لا يزال الاعداد الجيد لها قائم من أجل أن ينتج عنها تقدم جوهري على صعيد الوفاق اللبناني على الرئيس الجديد. إذ ان الوزراء الثلاثة يتلافون مسألة أن يقوموا لهذه الغاية بمهمة محفوفة بالمخاطر، وإذا لم يتمكنوا من تحقيق التقدم لحصول الانتخاب في جلسة 23 الجاري فإن مساعيهم ستتركز على حصول التوافق لانجاز الانتخاب وفقاً لذلك في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس اميل لحود.
لكن المراجع الديبلوماسية تلاحظ انه في خضم المعركة الرئاسية، هناك عاملان إيجابيان قد يؤديان دوراً في التفاهم على الرئيس ومنع الفوضى، وهما:
ـ قلق الأطراف كافة من موالاة ومعارضة في آن إزاء التطورات في لبنان نتيجة عدم التوافق، ووجود مصلحة مشتركة في الحفاظ على الاستقرار، لأن الوقوع في المنزلق الخطر سيتهدد الجميع وليس فئة دون أخرى.
ـ الأجواء الدولية ـ العربية المؤاتية، التي تصر على أن الاستقرار في لبنان حاجة ليس محلية فحسب، إنما أيضاً خارجية ذات بعدين إقليمي ودولي. وهذا يعتبر بمثابة فرصة إيجابية للبنان يتوافر حولها وفاق خارجي يجب الاستفادة منها، وتوظيفها حالياً، تفادياً لأي مستجدات قد تنشأ في مرحلة أخرى، قد لا تتوافر فيها مثل هذه الظروف. وهذا ما يدركه المسؤولون في لبنان، وسيتبلغون رسائل دولية حوله من حركة الموفدين التي يرتقب أن تنشط الى بيروت قريباً لمواكبة الموضوع الرئاسي.
وعليه، فإن الادارة الأميركية أبلغت عدداً من المسؤولين استعداداتها للمساعدة في إجراء الانتخابات الحرة، ومن المهم معرفة الاحتمالات والامكانات ومجالات العمل وأطره. والاستعداد قائم من دون لبس أو شك. والدعم واضح، ومن المفيد ترجمته.
متطلبات للضغوط
لا يمكن انتظارها من موسكو
كما ان التوافق كان تاماً في الموقف حول لبنان، خلال القمة الفرنسية ـ الروسية، لا سيما حول ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وإطارها الدستوريين، وبالتوافق بين اللبنانيين، وتخلل القمة، على الرغم من أنها الأولى من نوعها، ومن ان علاقات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت أفضل مع الرئيس جاك شيراك، بحث في الدور الروسي المتجدد مع دمشق، لتسهيل إجراء الانتخابات.
وتؤكد هذه المراجع ان موسكو ستبذل مساعيها الحميدة مع دمشق، لكن وسط تساؤل حول ما إذا كان الوضع يستدعي طريقة تعامل أخرى، لا يمكن انتظارها من روسيا، التي ستعمد الى تبليغ الموقف ودعم للاستجابة له. إنما قد لا يصل الوضع الى تهديد العلاقات الروسية ـ السورية مباشرة، خصوصاً وان روسيا هي الدولة الوحيدة في المجتمع الدولي التي لديها تواصل وثيق ومصالح مشتركة مع دمشق.
كذلك فإن للدول الأوروبية مصلحة مباشرة بالاستقرار في لبنان حيث قواتها عاملة في إطار "اليونيفيل"، بحيث ان لا فريق محلياً أو دولياً إلا ويرغب في احترام 1701 وعدم العودة بالجنوب ساحة مفتوحة للصراع.
ويتوازى مع هذه المواقف، الدور التركي الذي استؤنف من جديد حول لبنان والمنطقة وفي إطاره تسعى أنقره مع دمشق، الى تسهيل حصول الانتخابات الرئاسية، آخذة في الاعتبار اهتمام دمشق بوجود دولة جارة كتركيا ليست في وضع محرج معها في ظل ما يواجهها من ضغوط دولية. على أن أي إيجابية تتحقق، يمكن أن تشكل سلة متكاملة في مجال الدور السوري في مؤتمر السلام في الشرق الأوسط المرتقب وإمكان تركيا السعي الي ضمانات مع اسرائيل حول ذلك.
ويبقى للتكتيك الايراني أهمية بالغة، في المرحلة الأخيرة من التفاهم حول الرئيس. فإيران تدعم استقرار لبنان، ولا ترغب في أن يتورط "حزب الله" في المتاهات الداخلية كما أنها تدعم منع الفتنة الطائفية. لذلك فإن الاضواء مسلطة على زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى إيران.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.