تأخذ فكرة الحماية الدولية للانتخابات الرئاسية اللبنانية حيزاً مهماً في المشاورات الجارية لتسهيل حصول الانتخابات وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء حول مواصفات الرئيس ومن يجسّد هذه المواصفات على الأرض. على ان هذه الفكرة يبدو انها تنقسم إلى جزءين، الأول إجرائي ـ أمني لا يزال البحث الدولي فيه بعيداً عن الأضواء، والثاني متصل بحمايتها من التدخلات الخارجية في مرحلة ما قبل وصولها إلى الخيارات الحاسمة.. وبعدها.
في مسألة الحماية الأمنية للانتخابات، فإن حصيلة المشاورات التي أبلغت إلى لبنان عبر القنوات الديبلوماسية، تشير إلى ان لا توجه نهائياً حتى الآن في إطار الاهتمام الدولي بهذا الجانب الشديد التأثير لأن الدول الشقيقة والصديقة للبنان ترغب في ان تجري الانتخابات في موعدها وإطارها الدستوريين من دون تهديد لاستقلالية النواب وللبنان المستقل، في وقت تدرك محدودية القدرات الذاتية اللبنانية في هذا المجال.
إشارات ضدّ الاغتيال
والأهم، ان ابعاد النقاش الدولي حول سبل حماية الانتخابات يهدف إلى إرسال إشارة سياسية واضحة ضدّ الاغتيال السياسي وضدّ ان يصبح تعمد القتل لغة للتخاطب وتوجيه الرسائل.
وهناك إصرار دولي على ضرورة توقفها وعدم اللجوء إليها مجدداً، الأمر الذي أدى إلى تفاهم بين الدول الفاعلة العربية والغربية في الاجتماعات البارزة التي عقدت على هامش افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ضرورة تسريع إطلاق عمل "محكمة لبنان"، أو المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى ذات الصلة التي بلغ عددها 17 جريمة. وبعدما كان الجهد يتضافر لبدء المحكمة عملها قبل نهاية السنة الحالية، أي في كانون الأول المقبل، تجرى مشاورات دولية بناء على التفاهم ومع الأمين العام للأمم المتحدة لكي تسرّع المنظمة الدولية إنجاز إجراءاتها المطلوبة لتتمكن المحكمة من القيام بمهمتها قبل الموعد المشار إليه وفي أقرب وقت، ما يعني استناداً إلى مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، انه بموجب التفاهم الدولي ـ العربي الأخير، غير المعلن، جرى الربط بين حتمية التلازم بين ثلاثة عناصر هي: وجوب حصول انتخاب رئيس جديد للبنان هذا الخريف وبالسرعة الممكنة، ووجوب ان تقف الاغتيالات السياسية التي عادت لتتجدّد كوسيلة ضغط لتخريب وعرقلة إنجازها، وتسريع إنشاء المحكمة الذي عاد إلى واجهة المتابعة الدولية والعربية نتيجة للتطورات على الساحة اللبنانية، حيث يجب ان لا تكون الاغتيالات وسيلة لإحداث تغييرات في المنحى السيادي والاستقلالي المحقق.
وقد جرى نقاش مستفيض للحماية الدولية للانتخابات الرئاسية اللبنانية في نيويورك، خصوصاً في غداء العمل الذي أقيم تكريماً لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وشارك فيه وزراء خارجية دول عربية وغربية بارزون.
وسيستكمل النقاش حول ذلك للتوصل إلى نتيجة في اجتماع دعا كوشنير نظراءه إلى عقده في باريس منتصف تشرين الأول الحالي لمتابعة تطوّر الوضع اللبناني الانتخابي. ويكتسب الاجتماع أهمية بالغة كون البحث سيتوسع، وسيؤكد مرة جديدة الاهتمام الدولي بضرورة حصول هذه الحماية، لا سيما في ظل التعقيدات أمام تفضيل حصولها لبنانياً.
وسيتركز البحث في لقاء باريس المرتقب، على ضرورة ان تأتي هذه الحماية بشكل لا يحرج لبنان وأوضاعه الداخلية، وأن تكون بعيدة في منطلقاتها عن ردود الفعل المسيئة لأهدافها المحددة. على ان الدول تجمع على ان الحل الأساسي لوقف الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية في لبنان، يكمن في الإسراع بإطلاق عمل المحكمة.
ثلاث أفكار للحماية
وفي نيويورك، تشعّب النقاش حول حماية الانتخابات دولياً. وطرحت أفكار هي: توسيع مهمة "اليونيفيل" لتشمل حماية المجلس النيابي والنواب، أو ايفاد شرطة دولية للقيام بهذه المهمة، أو ان تجرى الانتخابات في مقر آخر غير مجلس النواب، سواء في لبنان أو خارجه، وسط تحديد الحماية الدولية بالاحتمالين السابقين.
ووضع وزراء الخارجية ايجابيات كل فكرة وسلبياتها فضلاً عن دراسة دستورية تحديد مقر جديد للانتخاب، إن في لبنان أو خارجه، ثم ان تكليف "اليونيفيل" بهذه المهمة مقلق لجهة ردات الفعل المحتملة التي يجب ان لا تزيد الأمور تعقيداً، كذلك ضرورة النظر في ما إذا كان المطلوب حماية الجلسة الانتخابية فقط، أو ان تتوسع الحماية لتشمل النواب كأشخاص، أو ان يتسع مداها الزمني لتبدأ في أقرب فرصة وحتى انتهاء الانتخاب، فضلاً عن أسئلة لم يخفها البعض حول أمن الرئيس الجديد.
ولم يتخذ أي قرار واضح بعد في انتظار عقد اجتماع باريس، وكذلك في انتظار مسألة أساسية وهي حصول تفاهم دولي ـ إقليمي حول الرئاسة ومقتضيات الالتزام بتمرير هذا الاستحقاق من الناحية الأمنية والسياسية والإعلامية.
وحتى ذلك التاريخ هناك مشاورات عربية ودولية يشارك بها لبنان وفريقا الأكثرية والمعارضة، ستبلور المزيد من المعطيات، سلباً أو إيجاباً، والتي ستحدّد بطبيعة الحال الاتجاهات التي ستعتمد للحماية الدولية للانتخاب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.