بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير حول الأزمة في لبنان والاستحقاق الرئاسي، بدا واضحاً أن التركيز في المشاورات السياسية يتناول أولوية واحدة هي انتخاب رئيس جديد للبنان في موعده ووفقاً للدستور.
وتتجه المساعي العربية والدولية في هذا الشأن، الى العمل لكي تساهم دمشق بدور المسهِّل لحصول الاستحقاق، بعدما تقدّمت الاتصالات مع إيران لهذه الغاية. كما تتجه الأنظار الى مستوى التنسيق الأميركي ـ الفرنسي حول ملف الرئاسة، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين لإجراء هذا الاستحقاق، الذي بات مطلباً دولياً، وليس لبنانياً فحسب، بحيث لن يسمح بالتفريط به مهما كانت الظروف.
ضغوط أو تعاون
واستناداً الى أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع على العلاقات اللبنانية ـ الأميركية، فإن هناك تنسيقاً وتفاهماً بين واشنطن وباريس حول خطواتهما ومساعيهما لإنجاز هذا الاستحقاق. وهناك بالتالي ترقّب أميركي لما ستكون عليه نتائج المبادرة الفرنسية على أمل أن ينتج هذا التحرك تقدماً جدياً في اتجاه توافق اللبنانيين على رئيس جديد. وفي ضوء هذه النتائج، سيتم تحديد رد الفعل الأميركي في المرحلة اللاحقة، وهي ستتم أيضاً بالتنسيق مع الفرنسيين. فإما أن يكون هناك مزيد من الضغوط الدولية لتحقيق الانتخابات الرئاسية، إذا ما استمرت العراقيل في وجه المبادرة الفرنسية، أو أن يتم اللجوء الى التعاون مع الدول الإقليمية ذات النفوذ في لبنان لتمرير الاستحقاق.
توافق على اسم الرئيس في آخر لحظة
وتبدي الأوساط تفاؤلاً حاسماً بحصول توافق على اسم الرئيس في اللحظة الأخيرة بدءاً من مطلع شهر تشرين الثاني، لن تكون سوريا وإيران بمعزل عنه.
وفي إطار التنسيق الأميركي ـ الفرنسي، يأتي موقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأخير حول اشتراطه أن تسهِّل دمشق حلّ الأزمة اللبنانية، وخصوصاً إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهل الدستورية وبموجب الدستور في لبنان من أجل قيام أي حوار فرنسي ـ سوري. وتوافق الولايات المتحدة على إعطاء المبادرة الفرنسية أوسع مدى ممكن لها. فقد تمايز كلام ساركوزي في الأسلوب عن كلام سلفه جاك شيراك، وعن كلام الولايات المتحدة والأجواء التي تنقل عنها، حول عدم رغبة الإدارة في إجراء أي حوار مع دمشق. لكن لا تمايز في الجوهر والغايات المطلوب التوصل إليها، وهي إبداء سوريا التعاون في لبنان، وفي الرئاسة بالذات خلال هذه المرحلة، ما يشير الى أن لا تغيير في السياسة الفرنسية، ولا في الثوابت الفرنسية، وان تغيّر أسلوب مقاربة الملفات.
وتقول هذه الأوساط، إن الموقف السوري من دعوة ساركوزي لا يحمل إيجابيات كافية. والسبب الأساسي وراء ذلك، هو أن دمشق تريد أن تتحاور مع واشنطن وليس مع باريس، لأن هناك ملفاً كبيراً يهمها، وهو نتائج المحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورغبتها في أن تبعد عنها أي مؤثرات. ومن الواضح أن المحكمة ستنطلق في عملها قبل نهاية السنة الحالية، أي ما بعد الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لكن البدء بتحويلها من الورق الى الواقع، سيتم قبل انتخاب الرئيس الجديد، ولدى إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نتائج جهوده لتشكيلها في تقريره الأول حول القرار 1757 يوم الأربعاء المقبل، وأخذ مجلس الأمن علماً بذلك في مناقشته للتقرير في 19 أيلول.
وترغب الإدارة الأميركية في أن تأخذ المبادرة الفرنسية أوسع مدى ممكن لها، مع الموقف الفرنسي الذي توجه الى سوريا بضرورة تعاونها حول الملف الرئاسي اللبناني، على الرغم من أن هناك مطالب أميركية ـ دولية من سوريا لا تقتصر على الرئاسة في لبنان فحسب، بل على تنفيذ القرارات 1559 و1680 و1701، والتعاون عراقياً وفلسطينياً وفي حل سلاح "حزب الله". وتبعاً لذلك، فإن الموقف الأميركي الأشمل، يتمايز موضوعياً مع الفرنسي، إلا أنه يؤكد بصورة جلية، أن الاستقرار في لبنان أولوية فرنسية، وكذلك أميركية، وأن السعي الى حصول انتخابات رئاسية في موعدها ووفقاً للدستور يجسّد هذه الأولوية، مع العلم أن واشنطن لن تتهاون في تطبيق كل المطالب الأخرى من سوريا، وتريد تجاوباً منها ليس في الرئاسة فحسب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.