"تحصين الوضع الداخلي اللبناني"، يكاد يكون العنوان المشترك، الذي تتحرك في إطاره الديبلوماسيتين الفرنسية والعربية، مع بدء مرحلة العد العكسي للاستحقاق الرئاسي واختيار وجود رئيس جديد للبلاد في الخريف المقبل.
ويواجه هذا التحصين تعقيدات واسعة تجعل العديد من الأوساط الديبلوماسية العربية والغربية، المهتمة بالوضع اللبناني، تجمع على وصف التطورات الحاصلة بأنها أدخلت لبنان في "غرفة العناية الفائقة". ذلك إن فرنسا استأنفت مبادرتها حول لبنان من خلال ايفادها أمس من جديد السفير المكلف بتنفيذ مبادرتها جان كلود كوسران إلى بيروت، والتي سيستتبع زيارته إليها بجولة في المنطقة، لن تخرج في أهدافها عن جولته السابقة، وهي الحفاظ على التهدئة والتواصل بين الفرقاء، تمهيداً للتفاهم على الرئيس المقبل.
وأكدت هذه الأوساط ان فرنسا تحديداً لا يمكنها إلا ان تتحرك في شأن إزالة أي خطر قد يهدّد مستقبل لبنان واستقراره وأمنه. وهي أبقت على جهوزية ديبلوماسيتها للتحرك بغض النظر عن مستوى الآمال المعقودة على إمكان التوصل إلى حلول جذرية أو نهائية. ذلك انها واثر زيارة وزير خارجيتها برنار كوشنير الأخيرة لبيروت وللقاهرة، قبل نحو ثلاثة أسابيع لم تعلن ان مبادرتها فشلت وانتهى الأمر، انما اعتبرت أن ما حققته من جمع للقيادات اللبنانية، جعلها تستكمل مساعيها اللبنانية والإقليمية، وهيأت ديبلوماسيتها للعودة إلى الاهتمام في أي لحظة، ان بالنسبة إلى القيام بدور توافقي، أو بالنسبة إلى رسائل بين الأطراف المحليين والإقليميين لإنتاج تقدم في سبيل التفاهم على الرئيس الجديد للبنان.
فرنسا وتبديد المخاطر
وتشير هذه الأوساط إلى ان فرنسا يعنيها جداً الا تترك الساحة اللبنانية، لا للارتباك، ولا لمؤثرات وضغوط لا تصب في مصلحة لبنان. واستناداً إلى هذه الأوساط، فان باريس ستستمر في تحركها انطلاقاً من هذا الواقع، نظراً للعلاقات التاريخية والتقليدية التي تربطها بلبنان، في محاولة منها للوقوف إلى جانب تبديد أي خطر أو قلق قد ينزلق إليه وضعه.
ويتوازى هذا التحرك مع معلومات تفيد انه لدى انتهاء العطلة الدولية الصيفية آخر آب الحالي، سيشهد لبنان زيارات مكثّفة لموفدين دوليين وأوروبيين وعرب، بحيث لن يصار إلى السماح بخلق أجواء فوضى في لبنان تهدّد مصير الاستحقاق الرئاسي، ومصير الأمن والاستقرار فيه. وستستمر هذه الزيارات على مدى شهري أيلول وتشرين الأول المقبلين، وهي المرحلة التي ستشهد الاستعدادات للاستحقاق الرئاسي. وينصب التحرك الدولي المرتقب في اتجاه لبنان على جملة محاور، في أولوياتها ما يلي:
ـ تشجيع اللبنانيين كافة على الحوار وعلى التواصل إلى التفاهم على إجراء الانتخابات الرئاسية في البرلمان اللبناني، وهو الذي سينعقد حكماً قبل 10 أيام من انتهاء ولاية الرئيس الحالي إميل لحود، والتفاهم يشمل صيغة الانتخاب، واسم المرشح للرئاسة. وبالتالي، فان الجهد سيركز على تحصين الوضع اللبناني من خلال حض الفرقاء إلى العودة إلى القرارات الوطنية، وإزالة الضغوط الخارجية عن تحركهم الداخلي، أكانت إقليمية أو دولية، بهدف تسهيل توصلهم إلى حل لموضوع الرئاسة.
رسائل واضحة حول الـ1559
ـ إبلاغهم رسائل واضحة، ومتصلة بأن المجتمع الدولي ملتزم بتنفيذ القرار 1559 بالكامل، لا سيما الآن في مسألة إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في لبنان، ووفقاً للدستور. وهو وان كان أعطى الفرص أمام تنفيذ القرار بالتفاهم بين اللبنانيين، وانتظر في مسألة تنفيذ البند المتعلق بالرئاسة إلى حين انتهاء ولاية لحود، إلا انه، الآن يجد نفسه مجبراً على التدخل لمنع أي خلل في تطبيقه، لما يحفظ استقلال لبنان وسيادته كاملة على أراضيه. وتدعم كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن هذا التوجه لأن القرار 1559 بات جزءاً لا يتجزأ من الشرعية الدولية، ولن يكون هناك تهاون أو تساهل في تطبيقه.
وحول مركزية السلطة و"اليونيفيل" إبلاغ كافة المسؤولين الدوليين الفرقاء اللبنانيين وكذلك الإقليميين ايضاً، ان القرار 1701 هو جزء لا يتجزأ من الشرعية الدولية، وان الدول المساهمة في "اليونيفيل" والمهتمة بتنفيذ هذا القرار، لديها قلق كبير من عدم حصول انتخابات رئاسية في لبنان، لان ذلك يحمل في أبعاده مخاطر على استقرار لبنان وأمنه، وعلى دور هذه القوة وسلامتها وأدائها، في آن معاً. ترغب الدول في توجيه رسائل واضحة حول ضرورة الإلتزام بإجراء هذه الانتخابات وفقاً للدستور اللبناني وتنفيذاً للقرار 1559، الذي يرتبط بتنفيذ الـ1701 الذي انبثق عنه. كون الـ1559 هو القرار الأم لكافة القرارات المتصلة بسيادة لبنان الكاملة واستقلاله وأمنه واستقراره. وبالتالي هناك إلحاح على وجود دولة وسلطة مركزية موحدة تجسدها الانتخابات الرئاسية في لبنان، وهي ستعكس على الأرض مركزية القرار السيادي، لاسيما لناحية منع الفوضى وهز الاستقرار، وعدم تأثر القوات الدولية بأي عراقيل.
وأول الزائرين للبنان في هذا السياق، وزير الخارجية البرتغالي الذي أجرى مباحثات أمس في بيروت. وستلي زيارته زيارات مماثلة لهذه الغاية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.