8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مساع متعدّدة الأطراف لواشنطن مع حلفائها الأوروبيين والعرب لاتباع خطواتها

لا يمكن الفصل بين القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي جورج بوش بفرض الحظر المالي على شخصيات لبنانية وسورية وامتداداتها وعلى من يعمل لتقويض نفوذ الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وبين السياسة الأميركية المتصلة بسبل التعامل مع الاستحقاق الرئاسي اللبناني في ضوء التعقيدات التي يواجهها نتيجة الضغوط الايرانية ـ السورية.
وقد توصلت الإدارة الأميركية إلى قناعة راسخة ستتبلور بشكل أوضح في الفترة المقبلة حول الأسلوب الذي ستتبعه حيال كل من دمشق وطهران بالنسبة إلى استمرارهما في فرض شروطهما على القضايا المصيرية في لبنان، ولعل أبرزها حول انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
وتؤكد أوساط ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع على العلاقات اللبنانية ـ الأميركية، انه ما دام هناك إحجام لدى واشنطن عن الحوار مع سوريا، وهو موقف لن يتغير ما دامت الإدارة الأميركية تسجل عدم تعاون دمشق، فإن ذلك يعني ان هناك مبرّراً للقرار المتجدّد الذي اتخذ أخيراً بزيادة الضغوط السياسية والاقتصادية عليها إن لم تتفاعل مع التوجه الموجود لدى المجتمع الدولي بشأن الرئاسة في لبنان، ووجوب حصول الانتخابات في موعدها الدستوري وفق مستلزمات ان يحفظ الرئيس سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، وأن يتم التوافق والتفاهم حوله بين جميع الفرقاء اللبنانيين.
لا عودة إلى الوراء
وتزايد الضغوط على دمشق لن يكون فقط من جانب الولايات المتحدة، إذ تجرى اتصالات ديبلوماسية وتحركات أميركية مع المجتمعين الدولي والعربي لاتخاذ مواقف مماثلة، وهي مساع اميركية متعدّدة الطرف أوروبياً وعربياً تحديداً، وترتكز على الحيثيات والثوابت الدولية بالنسبة إلى مستقبل لبنان واستقراره واستقلاله السياسي وسيادته الكاملة على كامل أراضيه وحدوده. واستناداً إلى هذه الأوساط، فإنه لا عودة إلى الوراء في هذا القرار المتجدّد في ضوء عدم تحقيق مبادرة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تقدّماً جوهرياً، وعدم اقتناع واشنطن بأنها ستتحاور أو تتفاوض مع دمشق ورفضها لذلك، إن في شأن اسم الرئيس اللبناني العتيد أو في شأن محاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الإرهابية والسياسية الأخرى في لبنان، أو في شأن عملية السلام في الشرق الأوسط ولا سيما موضوع استئناف التفاوض على المسار السوري ـ الاسرائيلي، مع العلم ان الإدارة الأميركية لم يكن وارداً لديها في مرحلة انطلاقة المبادرة الفرنسية، انها ستعول على ايجابية سورية ـ ايرانية حول لبنان وستنتظر نتيجتها.
وبالتالي، توضح الأوساط أن هناك تمنياً اميركياً على حلفاء الولايات المتحدة في العالم، بأن يحذوا حذو واشنطن في اتخاذ تدابير مماثلة في اطار سياسة الضغوط الدولية المتزايدة على سوريا، على ان تتم بصورة ثنائية في المرحلة المقبلة، وليس بالضرورة حالياً عبر مجلس الأمن الدولي. وتوقعات هذه الأوساط حول مدى الالتزام الأوروبي والعربي حيال هذا التمني، انه سيكون مرتبطاً بمستوى الاقتناع النهائي لدى هذه الأطراف بأن لا مكان أو مجال لتحسين الأمور مع دمشق. ومستوى الاقتناع الذي يتكوّن والذي هو شبه مكوّن سلفاً، لكن تبقى هناك تطورات في المساعي الديبلوماسية ستحدّد ما اذا كان التمني الأميركي سيتخطى السقف السياسي ليصل إلى مشارف العلاقات الاقتصادية.
تباعد عربي مع دمشق وارتباك مع طهران
ولاحظت الأوساط وجود تنسيق أميركي ـ عربي، إن بالنسبة إلى الموقف من الاستحقاق الرئاسي اللبناني أو من مبادرة بوش حول المؤتمر الدولي للسلام في المنطقة في الخريف المقبل، مقابل تباعد عربي وسعودي تحديداً، مع دمشق على خلفية التطورات اللبنانية وموقف سوريا المتفرّد الذي حاول إطاحة الترحيب العربي الشامل بمبادرة بوش خلال الاجتماع الاستثنائي لجامعة الدول العربية قبل نحو عشرة أيام، ولم يتمكن من ذلك، فضلاً عن الارتباك المستجد في العلاقات الخليجية مع ايران لأسباب عدة من بينها الوضع اللبناني الراهن.
فدمشق، بحسب الأوساط، تريد حواراً مع واشنطن يتناول بوضوح حصولها على تطمينات اميركية نهائية بأن المحاكمة في قضية الحريري ستكون فارغة، وأن النتائج التي بدأت تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة تشير إليها "ستكوّع" عن نتائجها، وإلا سيكون موضوع الاستحقاق الرئاسي اللبناني وسيلة ضغط رهينة لن يفرج عنها إلا مقابل التطمينات المطلوبة والتي اتخذت واشنطن قراراً بعدم الحديث فيها.
وتفيد الأوساط ان هناك انزعاجاً لدى دمشق حيال ان أياً من الجهات الدولية أو العربية التي زارتها أخيراً بهدف تسهيل الحل في لبنان لم تطرح معها اسم الرئيس الجديد، وهي المرة الأولى التي تحصل منذ عقود من الزمن، خصوصاً منذ وجود القوات السورية في لبنان على مدى 30 عاماً. وتشير، إلى ان هناك فارقاً كبيراً بين الإجماع الدولي الحالي على ان الرئيس الجديد لن يكون معادياً لسوريا، وبين ان يتم توجيه السؤال للقيادة في دمشق حول الأسماء التي تفضلها لهذا الاستحقاق كما كان يحصل في السابق، حتى ان دمشق تفضل ايضاً ان تطرح المملكة السعودية معها اسم الرئيس، إن لم تتمكن واشنطن من ذلك مباشرة، لتؤكد مجدداً فاعليتها على الساحة اللبنانية، وهو الأمر الذي لم يحصل.
وترى الأوساط ان الوقت الفاصل عن الاستحقاق الرئاسي مفيد لقوى الرابع عشر من آذار، بحيث ان المبادرتين العربية والفرنسية اللتين لم تحققا تقدماً، إنما أفسحتا في المجال امام هذا الفريق والحفاظ على المكاسب التي يملكها وعدم خسارة أي منها، وهذه نقطة سجلت على المستوى الدولي. وأضيفت إليها نقطة أخرى سجلها التقييم الأميركي للانتخابات الفرعية في بيروت والمتن، وتكمن في النجاح الذي حققته الحكومة في تأكيد شرعيتها وقراراتها عبر إجراء الانتخابات ومن دون موافقة رئيس الجمهورية، وأن اعلان نتائجها بشفافية يثبت مرة جديدة الموقف العادل والسليم للحكومة والذي هو موضع ارتياح أميركي رسمي برهانه على الديموقراطية في لبنان وممارستها برعاية الحكومة الحالية.
وأملت الأوساط ان يكون الفوز الذي تحقق في المتن لأحد أركان المعارضة، حافزاً لهذه المعارضة على ان تدعو المجلس النيابي للانعقاد، وأن يسهل عملية انتخاب رئيس جديد، خصوصاً ان هذا الفوز يعني اعترافاً واضحاً بشرعية الحكومة والمجلس رغم شكوك التيار الذي يمثله النائب الجديد للمتن بشرعيتهما، كما يعني نجاحاً للحكومة في إجراءاتها وأنه لم يعد للمعارضة من مجال للتشكيك بشرعيتها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00