عندما اطلقت فرنسا مبادرتها لحل الازمة اللبنانية، اعتبر العديد من المسؤولين الاميركيين ان القيادة الفرنسية تتصرف بعفوية وحماسة بالغتين حيال التعقيدات التي قد تواجه المبادرة بفعل ترابط النزاع الدولي ـ الاقليمي وانعكاسات ذلك على الوضع في لبنان.
وعلى الرغم من هذا الموقف، دعمت واشنطن المحاولة الفرنسية لملء الوقت الذي يسبق القرار الاميركي عراقياً في الخريف المقبل. وهي لم تمانع في ان يسعى حليفها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتهدئة الموقف في لبنان وتبريد الاجواء. وأبلغت باريس هذا الموقف عبر القنوات الديبلوماسية.
ولا ترى مصادر ديبلوماسية غربية بازرة أن من السهل أن تحقق المبادرة الفرنسية التي ستستمر حتى حصول الانتخابات الرئاسية اللبنانية، او المبادرة العربية، تقدماً جوهرياً لاحراز تفاهم حول استئناف الحوار الوطني لحل كافة العقد التي تواجه الاستقرار وارساء المنحى السيادي والاستقلالي. وتعتقد ان كل مسعى او مبادرة لن يحظى بمقومات النجاح الكامل لأنه محكوم بالوضع الراهن للعلاقات الاميركية ـ السورية من جهة، والاميركية ـ الايرانية من جهة ثانية. وبالتالي ان استمرار هذا الواقع في تلك العلاقات، سيحول دون حصول تقدم جوهري بنتيجة اي مبادرة على الرغم من الجدية الفرنسية والعمل العربي الديبلوماسي الدؤوب في هذا الاطار، اذ ان الادارة الاميركية تدرك جيداً الاهتمام السوري الى ابعد حد بإقامة حوار معها ولا سيما انه يرتقب ان يكون هدفه الاساسي ازالة النتائج التي قد تقود اليها المحاكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الاخرى، وفقاً لما توصلت اليه لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الجريمة في تحقيقاتها من معطيات بالغة الاهمية.
وتشير المصادر الى ان الادارة الاميركية ليست على استعداد لاجراء حوار مع سوريا أو لمساعدتها في الخروج من اي احراج أو وضع دقيق قد يواجهها، وقد ارسلت في هذا الاتجاه اشارات واضحة اليها. كما ان الادارة الاميركية ابدت انزعاجها امام الاوروبيين الذين كانوا زاروا دمشق اخيراً، لحصول هذه الزيارات، على الرغم من انهم عبّروا عنها بأنها تهدف الى تسهيل الحل اللبناني لكن وفق قواعد الشرعية الدولية ومتطلباتها، وليس للمساومة على ذلك، خصوصا في الملف اللبناني. وعلى الرغم ايضاً من ان الزائرين الاوروبيين عبروا، استناداً الى المصادر، عن امكان تقييم الخطوات السورية الجدية حول لبنان بإعادة النظر الدولي في رفع الحصار او العزلة السياسية الدولية عن سوريا.
وبالتالي، تفيد المصادر، ان اي مبادرة حول لبنان في ظل عدم امكان التواصل الاميركي ـ السوري، ستجد مصيراً صعباً، إذ ان القضية تبدو اكبر بكثير من مسألة التسوية المرحلية للازمة اللبنانية، وما دامت دمشق لا تلقى تجاوباً من الادارة الاميركية حول اقامة حوار معها ووفقاً لأجندتها، فكيف يمكن توقع حصول تعاون من جانبها، وفقاً لتقييم المصادر.
أما على الخط الايراني، فأوضحت المصادر ان واشنطن اجرت تقييماً للحوار مع طهران حول العراق، وآخر للحوار الاوروبي والعربي مع طهران حول كافة القضايا المتصلة بالمنطقة وبالبرنامج النووي الايراني. وكانت نتيجة التقييم الشامل ان ايران لا تزال تناور وأنه لا يمكن الرهان لا على الحوار معها ولا على الحوار مع سوريا.
وأوضحت المصادر ان ما تراهن عليه الادارة الاميركية حول المنطقة ولبنان حيث الانعكاس المباشر لاحداثها على اوضاعه، ما يلي:
ـ حصول تطورات ايجابية في العراق تصب لمصلحة واشنطن.
ـ تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط لمصلحة حلفاء واشنطن ولا سيما السعودية والاردن ومصر والدول الخليجية.
ـ العمل لاضعاف سوريا ووضعها امام مزيد من الإحراج، على قاعدة ان اضعافها اسهل من اضعاف ايران. وإذا تحقق هذا الهدف تصبح ايران قابلة لابداء مرونة في المواقف والاخذ والرد، إذ ان هناك مصالح دولية مرتبطة بمقاطعة العالم لدمشق اليوم، كما ان الاحراج الذي تواجهه الادارة الاميركية حول الموضوع العراقي لا يمكن حله الا بتفاهم ما مع طهران، بعد مزيد من الاحراج لدمشق لكي لا تطالب بثمن في لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.